أغرتني رشا لمقابلتها سريعا بقولها: لك عندي هدية حلوة من اليابان ولا بد أن تحضر سريعا وفي الحال والتو لتستلمها وإلا..وإلا ماذا؟ ردت علي بالقول: تسيح، ولم أفهم قصدها من الإجابة: تسيح. وكانت المفاجأة، علبة من الشوكولاته المصنعة في اليابان، ومغلفة قطعها بصورة فتاة عربية في مقتبل العمر وقد فقدت إحدى عينيها وتركت لعينها السليمة حق الابتسام تمشيا مع الحكمة السائدة: ابتسم تبتسم لك الدنيا. وبسؤالي عن صاحبة الصورة وما المناسبة قالت بأن الصورة هي للرسامة العراقية صابرين حافظ التي فقدت في العام 2005 عينها السليمة جراء إصابتها بسرطان اللوكيميا ، هذا السرطان الذي استشرى بين العديد من أطفال العراق نتيجة قذائف اليورانيوم المستنفذ المستخدمة في حرب الخليج عام 1991". وهذا اليورانيوم ناتج عرضي عن عملية تخصيب اليورانيوم المستخدم كوقود في المفاعلات النووية واستخدامه في الأسلحة يترك لاحقاً كميات من الإشعاع ، أما الشوكولاته فهي من تفكير السيد مينورو كاماتا - الرئيس الفخري لمستشفى سواتشو- ومن تنفيذ شبكة اليابان-العراق الطبية (JIM-NET) التي اتخذت من طوكيو مقرا لها، وهي منظمة غير حكومية تقدم المساعدة للأطفال العراقيين المصابين باللوكيما (سرطان الدم) وبغير اللوكيميا من الأمراض المستعصية، في إطار الدعم الطبي الذي سبق وأن قدم للأطفال في الأماكن المتضررة من حادثة تشرنوبل النووية عام 1986. والغاية هي جمع التبرعات عن طريق بيع القطعة الواحدة من الشوكولاتة المغلفة بصورة ضحية الإشعاع النووي بمبلغ خمسمائة ين ياباني "عن حوالي ستة دولارات أمريكية" لتأمين المستلزمات والأدوية الطبية المعالجة لسرطان اللوكيميا لخمس مستشفيات في العراق وتقديم خدمات العلاج بمساعدة أطباء ينتمون إلى جامعة شينشو بمحافظة ناغويا بعد أن زار السيد ماكي ساتو السكرتير العام لشبكة العراق – اليابان الطبية بغداد ورأى أطفالاً يعانون من اللوكيميا مستلقون على الأسرة وقد نال منهم الوهن ، واكتشف نقصًا حادًا في الأدوية والحاجات الضرورية، فرأى الاستفادة من خبرة السيد مينورو كاماتا في توفير المبالغ المطلوبة وهو صاحب المقولة: "عندما يعاني شعب من تداعيات الحرب ألا يتوجب تخصيص المساعدات الإنسانية لإنقاذ أطفال هذا البلد؟" ومن هنا جاءت فكرة الشوكولاته وتغليفها بصورة الضحية صابرين حافظ. وتضيف رشا القول بأن حملة الشوكولاته قد ساهمت كثيرا في الحفاظ على حياة العديد من الأطفال المصابين باللوكيميا، وإن كانت الإصابات باللوكيميا وبغيرها من الأمراض الخبيثة لا تزال مستمرة لاستمرار عمليات القمع والترويع التي تقوم بها قوات الاحتلال في العراق، وفي تقدير رشا أن ما في العراق من إصابات باللوكيما وغيرها من الأمراض المستعصية ما هي إلا نتيجة استخدام الأسلحة المحرمة. وهو استخدام واقع للأسف في فلسطين والباكستان وأفغانستان وربما في اليمن، وفي كل بلد عربي ومسلم داست ترابه قوات معادية، وبالتالي تدعو رشا لحملة مشابهة للحملة اليابانية تؤمن احتياجات المستشفيات في البلدان المستهدفة من الأدوية والمستلزمات الطبية، وحيث أن أعياد رأس السنة في الطريق فقد تكون مناسبة للقيام بهذه الحملة في أسبانيا وغيرها من الدول التي تعمل بمفهوم الآية القرآنية الكريمة " ولقد كرمنا بني آدم". وقبل أن تغادر رشا وقد تذوقت قطعة من الشوكولاتة ذكرت لي بأن صابرين - صاحبة الغلاف - كانت من البنات الموهوبات ولها رسوم لفتيات صغيرات يرفعن أيديهن ويسألن "كيف الحال؟" وأن المرض قد تغلب على صبر صابرين فقضت نحبها في أكتوبر 2009 وهي بعمر الخامسة عشرة. وقبل يومٍ من وفاتها كتبت رسالة قالت فيها "سأموت، ولكني لست حزينة لأني علمت أن رسوماتي ستساعد غيري من الأطفال الذين يعانون من السرطان". فكرة شجاعة لرشا تستحق التشجيع وأنتظر ما ستطرحه في الأسواق من أجل جمع التبرعات.