سُئل أعرابي صاحب ماشية عن عدد ماشيته فقال : كلها خراف ماعدا أربعة ، وكلها بقر ماعدا ستة ، وكلها حمير ماعدا ثمانية ، تُرى كم كان معه من البهائم ؟ وكم عدد كل نوع منها ؟ ..فهذه كانت إجابة الراعي البسيط في القصة المشهورة عندما سُئل عن ماشيته، وجعلت السائل يدرك أن عليه الاستنتاج ومحاولة الوصول إلى الحل الصحيح طالما أنه يريد إجابة من هذا الراعي الذكي .. ولقد ذكرني حال هذا الأعرابي الذي لم يدرس علم الرياضيات بفروعها وأنواعها التي أشابت و(شيبت) رؤوس الكثيرين من الطلاب والدارسين وربما جعلت الطالب الذكي يحتار ويلجأ إلى استخدام المعادلات الرياضية الحديثة بأنواعها للوصول إلى الحل الذي عرفه سلفا ذلك الأعرابي ليقول : س = عدد الخراف ص = عدد البقر ع = عدد الحمير م= س+4 = ص+6 = ع+8 = س+ص+ع .... الخ من الخطوات المعروفة لحل هذه المعادلة. لكنك في المقابل تشاهد وتسمع مع الأسف من بعض الفضائيات الأخرى حولنا مسابقات بين مختلف الأعمار وأسئلة مبسطة يكاد جوابها يكون معروفا ومُسلما به ومع ذلك يُعطى خيارات .. وبرغم ذلك تأتي الإجابة خاطئة ويكون وقعها أليماً على المشاهد الذي كان يأمل في جيله وأجياله ثقافة واسعة وعلوماً جمة فتراك تصرخ في داخلك لماذا هكذا يا شباب قلة الثقافة والاطلاع.. وآباؤكم وأجداكم العرب أهل الفطنة والعلوم والذكاء ؟!. أما ذلك الراعي فلِّله دَرُه ربما لأنه لم يعرف فضائيات ليتابع مسلسلاتها المدبلجة والمترجمة وغيرها كالتي نشاهدها في بعض الفضائيات الأخرى من حولنا..أو لأنه لم يقل له أحد (خليك بالبيت)،أو لأنه لم يجلس و(يتسمر) أمام شاشات التلفزيون منذ صغره ليهدر ثلثي وقت فراغه في اللعب واللهو غير المفيد ، أو لأنه لم يطرب لأغاني الوله بحب (الحمير) وغيرها أو يغضب لمن يقول للحمار حماراً .. أو لأنه لم يشاهد حفلات على الهواء يرقص فيها المئات من الرجال والنساء لساعات وساعات،ربما لأنه لم يطرب إلا بما أطرب حافظ إبراهيم: إني لتطربني الخلال كريمة طرب الغريب بأوبة وتلاقي ربما كان بسبب ذلك كله .. لذلك فإننا نحتاج لنتعاون ولتساهم معنا تلك الفضائيات التي سدت علينا منافذ الهواء وضيقت على أجيالنا أوقات فراغهم وشغلتهم بألوان اللعب واللهو والمسلسلات غير الهادفة .. نريدها أن تساهم معنا في أن يرى ويلمس الطفل والصبي سلوكاً قويماً في الطريق كما هو في المدرسة .. والتزاما بقوانين المرور والمارة كما تعلمه هو في المدرسة .. والمحافظة على النظافة كما تعلمها هو في المدرسة ، وألفاظا مهذبة خارج أسوار المدرسة كما تعلمها في المدرسة .. وصدق في الكلام وعدم الكذب كما تعلم في المدرسة .. وأن يكون الطالب كتاباً مترجماً خارج المدرسة .. حتى تكون مجتمعات أجيالنا بأفضل مما وصف به الدكتور الشيخ عايض القرني مجتمع باريس في مقاله السابق قبل عامين تقريباً بالزميلة «الشرق الأوسط «حين كان في رحلة علاجية:(( وقد أقمت في باريس أراجع الأطباء وأدخل المكتبات وأشاهد الناس وأنظر إلى تعاملهم فأجد رقة الحضارة ، وتهذيب الطباع ، ولطف المشاعر ، وحفاوة اللقاء، حسن التأدب مع الآخر، أصوات هادئة ، حياة منظمة ، التزام بالمواعيد ترتيب في شؤون الحياة.. الحضارة ترقق الطباع ، نسأل الرجل الفرنسي عن الطريق ونحن في سيارتنا فيوقف سيارته ويخرج الخارطة وينزل من سيارته ويصف لك الطريق وأنت جالس في سيارتك ، نمشي في الشارع والأمطار تهطل علينا فيرفع أحد المارة مظلته على رؤوسنا ، نزدحم عند دخول الفندق أو المستشفى فيؤثرونك مع كلمة التأسف، أجد كثيراً من الأحاديث النبوية تُطبَّق هنا ، احترام متبادل ، عبارات راقية ، أساليب حضارية في التعامل بينما تجد أبناء يعرب إذا غضبوا لعنوا وشتموا وأقذعوا وأفحشوا)). عزيزي القارئ : وحتى لا تصرخ بأعلى مني .. نود أن نطمئن الشيخ الدكتور عايض القرني: بأن ((المرعى سيكون أكثر خضرة والعنز سليمة)) بإذن الله ، وليست كما ذكر يحفظه الله على لسان العالم الهندي بأن ((المرعى أخضر والعنز مريضة )) ونتطلع لأن نجد في أجيالنا علماء مثل معالي الدكتور عبد الله الربيعة .. وكالدكتور أحمد زويل صاحب الفيمتو ثانية والنانو وغيرهما من العلماء والمشايخ والأدباء والمفكرين وبالله التوفيق . [email protected]