بعض الناس كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماءً، حتى اذا جاءه لم يجد شيئاً، وهذا المثل القرآني يذكرني بموقف مر بصديق له ابن يحمل شهادة بكالوريوس، ويعمل على وظيفة مؤقتة ويحتاج إلى ترسيم وقد تلقى إشارة من موظف صغير يعمل في وزارة لها علاقة بالتوظيف، فهم منها أن ذلك الموظف الذي زعم أنه مدير مكتب المسؤول الأول يستطيع ضمان ترسيم ابنه على وظيفة رسمية، ولما أخبرني بالأمر أكدت له أن ذلك غير ممكن على الاطلاق!! لأن الوظائف الشاغرة تخضع لإجراءات عديدة منها عملية المفاضلة وغيرها من الإجراءات التي لا تسمح لذلك الموظف أو لغيره من الموظفين بالتدخل وتجاوز النظام المعمول به في عملية إشغال الوظائف العامة، وأكدت له أن وزير الخدمة المدنية الأستاذ محمد علي الفايز على وجه التحديد إذا بلغه أن موظفا مرشحا للترقية على وظيفة أعلى مع وجود موظف آخر أكثر استحقاقاً للترقية فإنه لا يقبل بترشيح الجهة التي يعمل بها الموظفان بل يعيد المعاملة ويطلب استفسارا عن وضع جميع المستحقين للترقية على تلك الوظيفة بهدف تحقيق الحد الأعلى من العدالة، وكنت ذات يوم في مكتب معاليه فحضرت موقفاً يؤكد ما سبق لي ذكره فقد رأيت شخصاً ومعه خطاب توصية من جهة من الجهات يتضمن ترشيحه لوظيفة من الوظائف دون المرور بالمفاضلة والقوائم، فرفض معاليه تلك الشفاعة وأكد أنه لا يقبل أن يتقدم شخص على آخر أحق منه في ترقية أو تعيين، وإن هذه أمانة في عنقه وفي أعناق جميع العاملين في الوزارة، فحمدت له ذلك الموقف الطيب ولكن صديقي الذي تمسك بالسراب وظنه ماءًً ، ورأى المحاق وظنه بدراً!! لم يصدقني!!، واستمر يركض خلف السراب حتى رأفت بحاله وحاولت مرارا إقناعه، ولكنه لم يستجب فقلت في نفسي إن الحاجة.. حواجة!! وإن الغريق يتمسك بالقشة حتى لو هوت به في قاع المحيط. ثم دارت الأيام فقابلت صديقي في مناسبة وبعد أن بادرني التحية قال لي:لقد كنت صادقا وناصحا فقد تبين أن المحاق لم يكن بدراً، وأن الموظف الصغير ليس مديراً وليس له أي دور في أمور التوظيف والتعيين، وأن وعوده كانت سرابا!! حصل مقابلها على عدة خدمات مني مقابل تلك الوعود ثم ظهر لي أنه يقلي سمكاً! وهذا الموقف الذي أقدمه إنما يأتي من باب التناصح والتواصي بالحق ليس إلا، لأن على الإنسان إذا ما أراد قضاء حاجة من حوائجه أن يفكر تفكيراً سليما في السبل والوسائل التي يستخدمها في الوصول إلى أهدافه المشروعة وأن لا ينخدع بالذين يعطونه من طرف اللسان حلاوة ثم يروغون عنه كما يروغ الثعلب وأن يزن الكلام الذي يسمعه ولا يصدق كل ما يقال له حتى لا يموت من العطش عندما يجري وراء السراب الذي ظنه ماءً، وأن لا يغفل نصائح الناصحين، بل عليه أن يتدبر نصائحهم حتى يستفيد منها قبل فوات الاوان وأن لا يظن الظنون في من يخبره بعدم إمكانية تحقيق طلبه متهما إياه بعدم الرغبة في المساعدة، لأن بعض الظن إثم، بل عليه أن يحسن ظنه بأخيه سواء أخذ بنصيحته أو لم يأخذ.. وأقول له: إن هناك نظاماً للتوظيف.. يا صديقي!! صدقت أم لم تصدق!! [email protected]