المفاهيم العرجاء والنظرة الحولاء ، والآراء الرعناء الناتجة عن تفكير غير منطقي تكون ثمارها أشد مرارة من الحنظل ولونها أشد سواداً من الغراب الأسحم . وهذا أمر واقع ومشاهد ومحسوس ، وقد قيل : « إنك لا تجني من الشوك العنب . « ولهذا كان لزاماً على الإنسان أن تكون نظرته واقعية مبنية على مبادئ شرعية وأسس أخلاقية وتكون أولوية الأشياء وترتيبها عنده حسب أهميتها ومكانتها في الشرع والمنطق والحياة ، فلا يعطي الأولوية لأمر تافه على أمر جلل وهام ، ، ولا يختار طريق مظلم ويدع طريق النور مهما كان في ذلك الطريق من مغريات وملهيات فالذين ينظرون إلى المال مثلاً على أنه غاية وهدف رئيسي لا شك أنهم عباد للمال وأرقاء للدرهم والدينار ، وهم مع الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ تعس عبد الدينار ، تعس عبد الخميصة وإذا شيك فلا انتقش .. ] ومن خلال المفاهيم الاقتصادية الرأسمالية الحديثة تولدت لدى الكثير من أبناء المسلمين نظرة مشوهة وحولاء تجاه المال وطرق اكتسابه ، واهتموا بالنتيجة دون النظر للوسيلة فأصبحت الميكافيلية هي الطريق الذي يسلكونه فالغاية عندهم تبرر الوسيلة . فسارعوا إلى جمع المال بطرق غير مشروعة دون أي اعتبار لمبدأ الحلال والحرام ، بيد أنه من الغرابة والدهشة أن بعضهم ومع اندفاعهم الكبير والمحموم لجمع المال إلا أنهم ينفقون كل ما جمعوه أو جله في أوجه غير شرعية ، فلا سلموا من الذنوب ولا فازوا بجمع الثروة . وكثير من هؤلاء أعمتهم النظريات الاقتصادية ومبادئ الحرية المزيفة الغربية ولم يعطوا الجانب الأخلاقي والديني أي أهمية في طريق كسب الثروة . وهؤلاء علموا أم جهلوا قد جعلوا للمال أولوية تفوق أولوية الدين ورفعوا منزلته إلى مكانة عالية فوق العرض والشرف ، فقدموا الدينَ للأموال قرباناً ، وجعلوا له الأعراض ميداناً ، وذبحوا في ساحاته وباحاته الحياء، وخلعوا لباس التقوى والقناعة وكل ذلك من أجل جلب المال، فجعلوه قبل الدين فالتفتوا عن تعاليم الدين وسعوا لنيل المال فأصبحوا عبيداً له، بل جعلوه قبل الحياة فسخروا كل أوقاتهم وجهودهم وطاقاتهم وأفكارهم وذبحوها تحت أقدام المال وفرشوا له سنين أعمارهم وزهرة شبابهم، جعلوا المال إلهاً يعبد من دون الله تعالى فرأوا في المال عزة وفي المال قوة وفي المال سطوة، وحسبوا أن الشرف وقيمة الإنسان تكون في المال الذي يكنزه، وما علموا أن المال ما هو إلا وسيلة في الحياة لا غاية لها، وأن الخير كل الخير أن يتم كسب المال وصرفه في الوجوه الشرعية، خاصة وأن هذا المال هو لله تعالى جعله في أيدي العباد . يرزق من يشاء ابتلاء وامتحان. فكم من عزيز قوي وصاحب جاه نافذ وكلمة مسموعة ومع ذلك لا يملك من حطام الدنيا إلا ما يسد به الرمق، وكم من صاحب ثروة كبيرة ولكنها كانت وبالاً عليه، وقليل هم الذين فازوا بالمال فكسبوه بوسائل مشروعة دون النيل من أخلاقهم ومبادئهم وأنفقوه في الوجوه الصحيحة دون منة أو رياء أو إسراف أو خيلاء، فكان لهم عزاً ومنعة في الدنيا ونور في الآخرة وتطبيقاً لما تقدم فإن من يدقق النظر في سعي الناس الآن للمال يجد العجب العجاب : 1- تخلى بعض تجار المسلمين عن المبادئ الأخلاقية التي تحكم البيع كمية وكيفية وسعراً فالغش في تصنيع الأجهزة وعرضها دون بيان عيوبها ، وعرض وبيع مواد منتهية الصلاحية فيتعرض الناس للأمراض بسبب فساد تلك المواد ، ثم يرفع الأسعار من حين إلى حين دون مبرر أو مسوغ وكل ذلك من أجل كسب المال فعرضوا دينهم وآخرتهم للخطر مقابل ذلك الكسب . 2- بعض أصحاب الأقلام والذين يرون أنهم يقودون ويشكلون الفكر الثقافي والاجتماعي تجد أنهم سرعان ما يغيرون مبادئهم وينسلخون عن أفكارهم لمجرد انضمامهم لمطبوعة أو قناة. 3-تخلي بعض النساء عن مسؤوليتها في بيتها وعن تربية أبنائها وحقوق زوجها. 4- الموظف الذي يبيع ذمته ويتخلى عن مقتضيات واجب أمانته من أجل كسب المال الحرام فقبل بأخذ الرشوة واستغل المال العام لمصلحته واختلس منه بعد قام أن قام بجريمة أخرى وهي التزوير. 5- بعض أهل الفن من مطربين وممثلين يسعون وراء المال ويلهثون على حساب مبادئ الأخلاق ولعل هذا هو ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : فوالله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم . ] اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك . ص.ب 14873 جدة 21434 فاكس : 6534238 [email protected]