برامج كثيرة " سرقتها " القنوات الفضائية العربية عن الغربية، أو اشترت حقوق عرض ما يقابلها بالنسخة العربية، وهي برامج فنية وحوارية ومسابقات . . .، فيما بقيت برامج مثل " المناظرات التلفزيونية " بعيدة تماما عن خرائط ما يتاح للجمهور مشاهدته خلال سنوات عشرة خلت على شاشاتنا العربية التي تتولد كالفطر، سواء أكان ذلك في فترات المنافسة الانتخابية أو ما كان له علاقة بأمور الحياة الأخرى وتحديدا ما يختص بمشاكلنا الكثيرة التي تنقصها حالة من تبادل الأفكار والرؤى . حتى إن البعض يرى أن جزءا كبيرا من حل مشاكلنا أو المأزق الخطير الذي نمر به - سواء الحضاري منه أو المرتبط بالمشاكل اليومية وقضايانا المحلية - يكمن في حالة من التناظر تطرح خلالها الأفكار والتصورات ومن قبلها الأسئلة الدقيقة والصريحة والملحة على أهل الحكم ومن يحاول أن يكون في مكانهم من أحزاب وفصائل . حديثنا الحالي مبعثه تلك الأهمية التي فرضتها الحالة التي استحضرتها المناظرات التلفزيونية بين المرشحين المتنافسين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ومن بعدهما المرشح عن منصب نائب الرئيس لكل منهما . وهي أهمية نلحظ أن هناك من يستشعرها معنا من سياسيين ومحليين وخبراء الرأي العام وإعلاميين ومثقفين . مدخلنا هنا تلفزيوني وثقافي وليس سياسيا كما حال المحليين والخبراء، فنحن نهتم بالجانب الذي يثير أسئلة ويضعنا في حالة بحث عن إجابات .المناظرات التي يقودها التلفزيون ويكسبها زخما وقوة هي بالأساس من مكونات أي حملة انتخابية لأي مرشح في دول العالم الغربي، لكنها أيضا بالتوازي تعبر عن ثقافة سائدة وقيم يعيش المجتمع في كنفها، تلك الصورة لا نراها عربيا مطلقا، وإن ظهرت في بعض البرامج فإنها لا تلم بأي شرط من شروط المناظرة فيتحول التناظر إلى صراع ديكة، رغم أننا تعلمنا منذ الصغر الكثير عن فن المناظرة عند المسلمين الأقدمين، وقيل لنا إنها جزء من تراثنا الأدبي . فحالنا تلخصه كلمتان على طول مساحة الوطن العربي وتفاصيل إعلامنا التلفزيوني فيما يرتبط بالمناظرات وهي أننا نراها عالميا ونفتقدها محليا وذلك في أوج حاجتنا لها، والسبب أن القيم والعادات الاجتماعية المكرسة لهذا السلوك الحضاري نفتقدها للأسف . ومع ذلك هناك فرصة ما لتكريس ثقافة التناظر وتدافع الأفكار ومصارعتها، يمكن أن يقودها التلفزيون ويعمق حالة حضورها، بشرط أن تكون حالة حضارية تزرع قيمها وتحرض عليها . صحيح أن الفضائيات العربية هنا هي انعكاس لواقع نعيشه، لكنها قادرة بكل تأكيد على قيادة حالة من التناظر، وكل ما هو مطلوب منها أن تبادر فقط، وليكن الأمر على سبيل " السرقة " هذه المرة، وذلك أضعف الإيمان . ناقد فني ومحرر في شبكة إسلام اون لاين .