على غير عادته عندما كان يستقبل يومه بنشاط متجدد يبدو كمال متراخيا وجهه شاحب بالكاد يستطعم طعم الشاي الذي يقدمه إليه عامل البوفيه.. إنه متذمر من الروتين الممل في يومه المتشابه الذي أصبح يدور فيه بلا إرادة مفتقدا إحساسه بطعم الحياة عندما بدا حياته العملية ذلك الطعم الذي كان يشعره بذاته وأسرته , يصف حالته التي تبّلدت مع هذا التشابه اليومي في حياة روتينية تتوزع مابين عمله في شركة هندسية كلفته بمهام الإشراف الهندسي لتنفيذ أعمال إنشائية مضنية حيث الجدران الإسمنتية الصماء والأتربة وعمليات الحفر والعزل والخرسانة والأجواء الملبدة بالغبرة والتقارير العملية التي لا تحتمل التأخير أو الخطأ و ما بين مهام أسرية مقصر فيها إلى حد الإهمال.بالأمس يحدثني عن ابنه أحمد يقول أخذ يهتف فرحا بعلو صوته (بابا بيضحك) عندما ضحكت في غفلة وأنا أتذكر احد المواقف. ذات يوم ساقته الصدفة ليمر من شارع ما على أطراف المدينة وإذ به يرقب أناسا يكتظون على مسار اعد خصيصا لممارسة رياضة المشي . أوقف سيارته ليكتشف المكان وروعته .. اندلق ككوب ماء مسكوب يزاحم الأجساد ملهوفا ليأنس باللحظة .. أحس بشعور غريب يتملك مشاعره الخاملة .. تفتحت أساريره عندما وقعت عيناه على منظر الزهور المنثورة على جانبي الممشى شعر بذهول يستفز ابتسامته فالمكان آسر والناس هاشة باشة حتى الكراسي الصماء رأى بأنها تتحدث معه وتشاركه الفرح . امضي كمال أغلب وقته في ذلك المكان مابين روحة وغدوة يفرد أطراف جسده.. يجري ويقف قليلا يُكمل إلى أن أحس باشتياق لأسرته دب فيه فجأة ليعود للبيت سريعا ليشارك زوجته وأبناءه سهرة عائلية حافلة. في ذلك اليوم راودته أفكار جديدة .. أكمل كل مهام البيت ومتطلباته استيقظ في اليوم التالي مبكرا كان أول الحاضرين لموقع عمله ملبيا تعليمات مرؤوسيه يتنقل في مشروعه مبدئيا تعليماته وآراءه تعلوه ابتسامة تنضح بالفرح وعلى هذا المنوال أخذ يرتب حياته من جديد مخصصا في جدول أيامه الأسبوعي أياما للنزهة وأخرى للرحلات وثالثة لزيارة المكتبة و الأقارب وهكذا تلونت حياته بألوان الطيف السبعة.. لقد دبت الحياة في شرايينه من جديد وكل ذلك بسبب قيامه بشيء ما يختلف عن المعتاد..وهاهو يردد قناعته الدائمة بأن السجن الحقيقي أن تأسر حياتك في أدوار متشابهة من دون تغير . يقول لم أكن اعلم أن صدفة عابرة كتلك التي ساقتني لأمارس الرياضة التي لم تكن في بالي أصلا ستجعلني أعيد حساباتي المتعثرة .. كمال جعلني أتساءل ترى ما الذي سيحدث لو اعتدنا أن نمنح حياتنا ألوانا مختلفة من ألوان الحياة أن نسافر لبلد جديد أن نقرأ كتابا جديدا أن نتعلم شيئا جديدا بكل تأكيد سنلمس ذلك الجانب الإيجابي الذي سيجعل حياتنا مثل حياته التي تلونت بألوان الطيف. [email protected]