ينبعث من المذياع صوت عبد المجيد عبد الله في روقة بال وأرقبُ الشمس تنغمس في المدى البعيد من البحر (تناقض كل هالدنيا تناقض واللي ما يقدر يناقض اقتناعاته بسياساته ويل ويلاه دوم .. وغيرو كلنا أستاذ غيرو وكلنا جلاد غيرو وكلنا عيوبه ماليا جيوبه قبل إتلام إسبق لوم) .. أغلق المذياع واغرق في عمق التجربة التي صاغ منها شاعر الأغنية هذا الكلام الواقعي الملموس.. مؤكد أنه كلام جاء بعد عناء لذلك كانت هذه القصيدة الغنائية التي زاد من تألقها جمال اللحن ودقة الأداء.. هو التناقض الذي يمثل ذلك الوجه المشوّه لشخوص اعتادت التلون والالتواء لغايات مختلفة ربما وفقا لأهواء شخصية أو لمجاملة كاذبة أو لربما كان طبعا زاد من تأثيره خوف مواجهة النفس علماء النفس يرون أن التناقض أصبح مرضا منتشرا بشكل ملحوظ وتكمن خطورته في صعوبة الحد من انتشاره لاسيما وأسبابه التي تمثل عوامل أساسية في البناء النفسي للفرد فمنها سوء التربية وضعف الشخصية وعدم وجود بيئة جيدة تساعد على تطوير الذات وتهذيبها. إننا نخوض في أمر شائك لا يقف عند مسؤولية واحدة بل انه يقع ضمن مسؤوليات عدة منها ما يكون على عاتق البيت عندما يغيب دور الأهل في تنشئة أبنائهم تنشئة دينية تعتمد الصدق في إرساء مبادئ التربية وعلى عاتق المدرسة عندما يتناقض دور المدرس في الفصل مع واقعه الأخلاقي وحين تعجز مناهج التعليم في بناء شخصية متزنة واعية بالإضافة إلى غياب القدوة الحسنة مشاهد يومية كثيرة تحمل معنى التناقض لا يمكن للعين أن تخطئها.. خذ مثلا في جانب تربية الأبناء عندما يبدأ ذلك الأب في نهر وزجر أبنائه ويحذرهم من شرب السجائر ولكن سرعان ما يدير وجهه عنهم ويشعل سيجارته أمام أعينهم.. على الضفة الأخرى أيضا ونحن في بداية إجازة الصيف وبالتحديد حين يعلن كابتن الطائرة لحظة الإقلاع خارج حدود الوطن وسياج العادات والتقاليد إلى أوربا مثلا، في تلك اللحظة ستثيرك الدهشة عندما تختفي العباءات فجأة ويبدأ بعض الفتيات بالتحرر من حجابهن وتتلون وجوههن سريعا بتلك المساحيق الصارخة لتسأل وأنت في حيرة من أمرك ترى ما الذي تغير في هذه اللحظة وأين الوازع الذي من المفترض أن يكون رقيبا لهن في كل مكان وزمان .. انه المجهول الذي يقودنا إلى دروبه هذه الشخصية المهزوزة في هذا الزمن العصيب الذي تجتاحنا فيه تيارات جديدة من الانفتاح في ظل انعدام الثقة وتشتت الهوية. [email protected]