لا أعتقد أن أحداً منا يفرح بطي الأيام والليالي والشهور والتي تمضي من عمره إلا إذا كان يرقب ويهفو للقاء عزيز وحبيب ينتظره ولا يبالي بسرعة وطي الزمن للقائه .. فها هو شهر رمضان الضيف الغالي المرتقب قد أوشك أن يظلنا وقد بعث ببشائره وأنفاسه العطرة مُقدماً يخبر بقرب حلوله وبأشواقه لأهل رمضان في أرجاء المعمورة نسأل الله تعالى أن يبلغنا رمضان ويجعلنا من عتقائه . ولعل من فضائل رمضان زيادة الإقبال على بذل المال والصدقة والمواساة فلعل صدقة دون مَنٍ ولا أذى تطيش بكفة السيئات وتدخل صاحبها الجنة ولعل في قصة أبي نصر الصياد المعروفة لدى الكثيرين ما يحفز النفس ويشحذ الهمم للسباق في مضمار الإنفاق دون منٍ ولا أذى. تقول قصة أبو نصر الصياد أنه مرت عليه وزوجته وابنه ليلة ويوم طويل لم يدخل جوفهم الطعام ، فكان الصغير يبكي من آلام الجوع (بئس الضجيع) فقام الزوج وذهب يشكو حاله وحال أسرته إلى رجل صالح اسمه(أحمد بن مسكين)فقال له:هيا اتبعني إلى البحر ..وهناك صليا ركعتين ثم رمى أبو نصر الصياد بالشبكة.. فخرجت سمكة كبيرة .. فقال له الشيخ الصالح: اذهب بها إلى السوق وبعها واشترِ بثمنها طعاما لأهلك،فذهب أبو نصر وباع السمكة واشترى بثمنها فطيرتين.. وفي الطريق إلى بيته حدثته نفسه أن يذهب للشيخ ويعطيه إحدى الفطيرتين لموقفه الكريم معه .. لكن الشيخ قال له :(لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة) خذ هذا الطعام فأطعم به أهلك..فانصرف أبو نصر الصياد شاكراً له فضله ومعروفه.. وفي الطريق قابلته امرأة وطفلها يبكيان وينظران إلى الفطيرتين ، فقال في نفسه:ما أصابهما من جوع وألم يذكرني بما أصاب زوجتي وابني في اليوم والليلة الماضية فهل آثرهما على أهلي؟ ولم يطل في تردده أمام دموع المرأة وبكاء الطفل ودفع لها الفطيرتين ثم رجع إلى بيته حاملا همومه وأحزانه ..لكنه لم يكد يمضي بضع خطوات إلا وسمع رجلاً ينادي بأعلى صوته: أبو نصر الصياد من يدلني عليه ؟ فأشار أحد الناس إليه وأقبل الرجل عليه مسرعا وهو يقول:أنت أبو نصر الصياد؟ قال :نعم فقال إني أبحث عنك منذ 20 سنة .. لقد أقرضني والدك رحمه الله مبلغاً من المال ثم مات .. وهذا هو الدّين الذي علي فأخرج له كيس به (30000) درهم فصار أغنى الناس. يقول أبو النصر في القصة: بعدها أحببتُ الصدقة فكنت أتصدق في اليوم الواحد بألف درهم .. فيزداد مالي حتى أعجبني مالي وصدقتي.. فذات يوم وأنا نائم رأيت فيما يرى النائم أن الساعة قد قامت وأن الناس قد حشروا في أرض المحشر وإذا بالمنادي ينادي على أسماء الناس ليقفوا أمام الميزان .. وجاء دوري فقال المَلَك:أين أبو نصر الصياد هلم للميزان لوزن أعمالك.. قال فوقفت وأنا أرتجف من الخوف ،فَوُضعت حسناتي وسيئاتي فرجحت كفه السيئات! فقلت للملك: لا حول ولا قوة إلا بالله وأين صدقاتي التي كنت أتصدق بها ؟ فقال انظر إليها فإذا تحت كل درهم أنفقته يوجد (إعجاب بالنفس أو سمعة أو رياء) فقال المنادي :هل بقي له من شيء؟ قالوا نعم: بقي له الرقاقتين الفطيرتين فوضعت في كفه الحسنات فتفاوتت مع كفه السيئات .. فقال المَلَك هل بقي له من شيء ؟ قالوا:دموع المرأة التي أعطاها الرقاقتين .. فوضعت دموع المرأة فرجحت كفة الحسنات .. ثم وضعت ابتسامة الطفل وفرحته بالفطيرة فرجحت ورجحت كفة الحسنات .. عندها قال الملََك .. لقد نجا أبو نصر الصياد . عزيزي القارئ لعل هذه القصة المأثورة تذكرنا بقيمة وعظمة العمل البسيط مع الإخلاص واحتسابه خصوصاً أن كان إيثاراً على النفس .. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة .. فقد كان جواداً وكان في رمضان أسرع من الريح المرسلة وقد قال عليه الصلاة والسلام (غلب درهم ألف درهم )وهذه أبواب رمضان ستكون مشرعة لك قريباً بإذن الله فهل من مشمر؟