بإيمان راسخ بقضاء الله وقدره ونفوس يمتلكها الحزن والاسى فقدنا علماً من أعلام الدبلوماسية العريقة، وشيخ الدبلوماسيين السعوديين عبدالرحمن أمين منصوري ووري جثمانه الثرى يحفه دعاء متواصل ورحمة مرجوة بأن يتغمده الله بواسع فضله وكرمه وغفرانه. حقاً ما أقصر الاعمار وإن طالت آجالها، وما أقل الخطى وإن تسارعت في سيرها، فلابد للروح أن تسلم لبارئها راضية مرضية - تلك هي سنة الحياة وقانون الخليقة .. ومع تسليمنا بهذه الحقيقة الملطقة الا ان النفس البشرية بحكم تكوينها تجزع عند فقد الاحبة ولا ملجأ لها سوى خالقها عز وعلا. لقد عرفت الشيخ عبدالرحمن منصوري عن قرب لثلاثة عقود ونصف رئيساً موجهاً واستاذاً ومعلماً مثلما عرفته أخاً كبيراً وصديقاً مثاليّاً وشخصية مدة غير عادية جبلت على العطاء وحظيت بإعجاب كل من اقترب منها ممن ابناء الوطن وكبار السياسيين والدبلوماسيين الاجانب. كان ملء السمع والبصر، سجلت حياته مسيرة نجاح مشرفة بما قدمه للوطن من عطاء غير محدود. فقد كان نموذجاً للمسؤول الذي يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. لذا لم يكن غريباً أن يحظى برعاية قيادة هذا البلد المعطاء بما عرف معها من رشاد ووفاء لأبنائها المخلصين فقد امتدت تلك الرعاية من عهد المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز ثم الملك خالد بن عبدالعزيز يرحمه الله والملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله الذي شهدته يوماً بعد حفل افطار رمضاني يرفع يد عبدالرحمن منصوري أمام الجميع ويقول: هذا هو الابن المشرف للوطن كما حظي برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي الامير سلطان بنن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الورزاء ووزير الدفاع والطيران أمد الله في عمرهما ولأكثر من ثلاثة عقود ظل عبدالرحمن منصوري الساعد الايمن في الشؤون السياسية لصاحب السمو الملكي الامير سعود الفيصل وزير الخارجية الذي قدره حق قدره. اعطى الوطن كل حياته - وقته وجهده وفكره وكل ما يملك من طاقة بشرية ايماناً منه برسالته فاقترن بعمله ووحد فيه ذاته فأشعر كل من تعامل معه وتعاون في تحمل المسؤولية باعتبارهم اخوة وابناء حقيقيين يؤدون رسالة مشتركة. وكان يوجه النابهين من شباب الوزارة ويأخذ بأيديهم ومبلغ سروره ما يحققون من نجاح .. صاحب مبادئ وقيم عليا عادل في تعاملاته، لا يداهن ولايرائي، صنديد في الحق - مترفع عن السفاسف - كبيراً في مجمل تصرفاته - لا ينحني لغير الله سبحانه وتعالى. رافقته في عضوية العشرات من الوفود التي رأسها فكان محط الانظار في المحافل صاحب فكر ثاقب ومشورة وبعد نظر مقنع في حجته - متمكن في قوله وعمله. مدافع عن مصالح بلده يحظى باحترام المحافل الدولية فيأخذ موقعه دائما في الصفوف الاولى. وعلى الصعيد الشخصي والاجتماعي وفي كل مجلس يرتاده كان شخصية رقيقة متفردة تمس شفاف القلوب بتواضعه الجم ودماثة أخلاقه وعفة لسانه وكان وفيا في زمن عز فيه الوفاء، عزيز النفس، كريم السجايا. كان الشيخ عبدالرحمن منصوري مدرسة قائمة بذاتها، وعلامة فارقة في العمل السياسي والدبلوماسي وبرحيله فقدت الدبلوماسية السعودية واحداً من أهم أعلامها سعة وعلماً وممارسة تاركاً بصمت مضيئة يقتدي بها وستبقى حية في ذاكرة أجيال الدبلوماسيين من منسوبي وزارة الخارجية - ومثلماً كان كبيراً بما اشتملت عليه اعماله - سيظل كبيراً في قلوب وافئدة كل محبيه ممن وسعهم بفضله وعلمه. وإنني ادرك تماما مهما سال قلمي ان السطور مهما كتب لن يفي الرجل حقه لكنه قضاء الله فكل نفس ذائقة الموت .. والله أسأل أن يكرم نزله في جنات الخلد والنعيم الدائم وأن يجزيه عن الاحسان احساناً وعن الاساءة عفوا وغفراناً وان يلهم اهله وذويه وصحبه ومحبيه الصبر والسلوان. ومن كل من لامست عيناه سطوري هذه ان يدعو له بالرحمة «إنا لله وإنا إليه راجعون». وزير مفوض بالخارجية - سابقًا