جاء الإسلام رحمة للعالمين، فساوى بين كل البشر، فلا فضل لعربي على عجمي ، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح، وقد فهم السلف الصالح منذ عهد النبوة والخلفاء الراشدين حقيقة هذه المساواة الإيمانية أعظم فهم، وطبقوها أفضل تطبيق . ويزخر التاريخ الإسلامي بكم هائل من الشواهد الدالة على ذلك، التي تؤكد أنه لا عنصرية، ولا قبلية، ولا عرقية، فالجميع عند الله سواسية كأسنان المشط ، كما جاء في الحديث الشريف . ومن نعم الله جل وعلا أن قيض لبلادنا منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، ولاة أمر جعلوا من "المساواة"، ذلك المبدأ الإسلامي الأصيل، واقعاً معاشاً، ليصبح شرف المواطنة والانتماء إلى هذا البلد الطيب، مصدر فخر واعتزاز لكل أبنائه، ومعنى أسمى وأشمل من أي انتماءات دنيوية أخرى، ولاسيما أن كلمة سعودي اقترنت بكلمة مسلم، لتزداد المواطنة شرفاً وعزاً بالإسلام، وهذا الشرف والعز تجسد في أروع الصور في مقولة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز " ارفع راسك فأنت سعودي"، والتي عبرت على بساطتها أجمل تعبير عن اعتزاز ولاة الأمر بكل مواطن، وحرصهم على ترسيخ معنى المواطنة الحقة . لكن مما يؤسف له أن بعض أبناء الوطن لم يدركوا هذا المعنى، فجعلوا الانتماء للقبيلة أو العائلة أو حتى الأسرة أسبق وأولى من الانتماء للوطن، وتفاخروا بالأنساب، وتنابزوا بالألقاب التي نهى القرآن الكريم عن التفاخر بها، وتمادى البعض في إعلان ذلك، من خلال تنظيم مسابقات وأنشطة رياضية تحمل أسماء هذه القبيلة أو تلك، وخاصة في رياضات الخيول والهجن، تأكيداً لأصالة القبيلة وعراقتها. ولسنا ضد اعتزاز المواطن بأصوله، أو تاريخ عائلته، أو الحرص على التكافؤ في المكانة والتعليم وحتى المال عند تزويج البنات أو البنين، لكننا نرفض تماماً تلك النعرات القبلية التي تعيدنا إلى عصور الجاهلية الأولى، وتقسم وحدة الوطن إلى وحدات أصغر وأضعف، وتهدد سلامة البناء الاجتماعي، ومما يزيد رفضنا لهذه النعرات التي بدأت تطل برأسها في كثير من الممارسات، بل ووجدت طريقها لبعض القنوات الفضائية عبر برامج المسابقات الثقافية، والشعر الشعبي، أنها تشكل الاهتمام الأول لدى كثير من شبابنا، فتجد بعضهم يزين سيارته باسم قبيلته، وبدرجة أقل باسم منطقته، والأخطر أن يكون الانتماء للقبيلة عند البعض أقوى من المؤهلات، والخبرات التي لدى من لا ينتمي لتلك القبيلة، أو توظيف المناصب والإمكانات العامة لصالح القبيلة وليس العكس، فهذه كارثة لأنها تدخلنا في نفق من التكتلات غير المحمودة، وتفتح علينا باباً واسعاً من أبواب الفتن . ولهؤلاء جميعاً نقول : إن القبيلة والأسرة والعائلة هي وحدات في البناء الاجتماعي للوطن، كجزء من كل وليس كل الوطن، ولا يجب أبداً أن تكون كذلك ، كما لا يجب أن تشكل الهاجس الأول، أو تقود إلى بعض السلوكيات والتصرفات التي تتنافى وتعاليم الإسلام الحنيف، أو تسير في اتجاه معاكس لمبدأ المساواة .. ومتى أدركنا ذلك تصبح القبيلة والاعتزاز بها عامل بناء، وليس معول هدم، ولبنة صلبة في النسيج الاجتماعي، وليس جزيرة معزولة يعيش كل من فيها أسيراً لجاهلية بغيضة تحول دون قيامه بدوره في خدمة وطنه، أو تعرقل مسيرة التطور التي ننعم جميعاً بثمارها دون أدنى تمييز بين أبناء قبيلة وأخرى .