لم يكن غريبًا بالنسبة لي حين جاء تكريم عبده خال من خارج الحدود، بعد أن جمعتنا رحلة إلى باريس، وجدت خلالها أن الكثير من المهاجرين والمقيمين العرب هناك يعرفون عبده، وقرؤوا بعض رواياته. عندها قلت لهم: إذا كنتم تتحدثون في أوروبا عن هيجل في ألمانيا، وعن سقراط في اليونان، وعن سارتر هنا في باريس، وغيرهم.. فإن هذا هو عبده خال «سارتر الشرق». في حين كان عبده زاهدًا في الحديث عن نفسه في كل اللقاءات التي جمعتنا بالكثير من المقيمين هناك، حتى إنه كان «يتأفف» من الثناء عليه، ويطلب الحديث في أي موضوع آخر، كان عبده خال طوال الرحلة يمطرنا بأعذب الكلمات ثقافة وأدبًا وكان يشعل مسامراتنا بالمرح، وقفشات تنطلق من خفة ظله وحبه للناس.. كان يتحدث عن بعض محطات حياته فنشعر بأن كل واحدة منها رواية مستقلة.. في تأكيد على أن الثقافة لا تطرق أبواب المترفين بقدر ما تتغلغل في شرايين المتعبين والمعذبين في الأرض، وهو ما جسده تاريخ الرواد في سيرهم الذاتية.. وحين عرض عليه السفير محمد آل الشيخ الانتقال إلى باريس بعد أن اقترح الزميل صالح الشيحي هذه الفكرة، ونحن في منزل السفير، ضحك عبده طويلاً وقال: كيف تريدون من رجل عاش حياته في حي قديم اسمه الهنداوية بجدة أن ينتقل إلى باريس «كذا دفعة واحدة يا سعادة السفير؟» بعدها قلت لعبده إنك ستكون سفيرًا آخر للثقافة السعودية إن لم تكن العربية، ومع ذلك لم أجد أن عبده خال قد أعطى الموضوع أي اهتمام بقدر ما تجاهل الفكرة بأكملها. وهو ما يعني أن الرجل يمتلئ بحب هذا الوطن، وأن حياة الرفاهية خط أحمر، لا يريد تجاوزه إلى أبعد من المكان، والناس، والحياة، وذاكرة الزمن. في النادي الأدبي وفي ليلة تكريمه جسَّد عبده خال قمة الحزن في عز الفرح، فقد تألمت كثيراً حين قال: إنني سعيد بهذا الحضور بعد أن كنت وحيداً في صالة البوكر عند إعلان الجائزة!! هذا هو عبده لابد أن يجعل للحزن مكانًا يصوِّر من خلاله مشهدًا لمشروع رواية تكتبه في غفلة من المناسبة وتخطفه إلى المكان الآخر. لكن هل يبقى إنتاج عبده خال الروائي بعيدًا عن الاستغلال الفني من قبل المنتجين؟ هذا سؤال أخشى ألاَّ يجيب عنه أحد من شركات الإنتاج التلفزيوني المحلي.. حتى يخطفه منتجون من خارج الحدود أيضًا!!