هكذا تبدوا موجة الشتاء القاسية والعواصف الثلجية التي داهمت معظم دول العالم هذه الأيام ومن الطبيعي أن تكون انعكاساتها الحياتية سلبا على شرائح عديدة من سكان هذه الدول بغض النظر عن مواقعهم الوظيفية والقيادية وانشغال البعض منهم بالهَمْ الثقافي والتوجهات الفكرية وكل ما يعزز الأدوار الإيجابية التي تمثل الرأي العام بأطيافه ومتناقضاته المتعددة واتساع مساحة الاختلاف إلاّ أنها تتفق أمام مصلحة المجتمع والالتفاف حول السلطة الرسمية ومنع الأخطار مهما كانت بساطتها خصوصا ما يهدد حياة المجتمع وينال من استقراره وتمتعه بكافة الخدمات التي تساهم في التنمية بأبعادها وشواهدها المتزامنة مع الخطط الراهنة والمستقبلية على المدى القصير والبعيد، لذا نلحظ أن توظيف إمكانيات تلك الدول بتنمية ثقافة الإنسان واتساع أفقه واحترام خصوصيته، بينما هناك حزم من الممنوعات والخطوط حمراء متى ما طالت الفكر والمعتقد والقيم والتقاليد الموروثة بعيدا عن كوابيس ليالي الشتاء الطويلة وأحلامها المزعجة بهدف تمريرها وقبولها وتصنفيها ضمن الأولويات ومنع أراء أخرى مهما كانت مصداقيتها ووصفها بالتقليدية والتخلف " و بائعي العسل وحبة البركة وصناع الكوابيس ". وآخر هذه المفردات التي ألهَبتْ برنامج " البيان التالي " بقناة دليل تقديم الدكتور عبدالعزيز قاسم باستضافته في حلقة الجمعة الماضية الدكتور عوض القرني الداعية الإسلامي المعروف في مناظرة مع رئيس تحرير جريدة الوطن السعودية الأستاذ جمال خاشقجي ومع إنهما شركاء في الدعوة لما قبل عقدين من الزمن ولست أعرف من الذي تخلى عن الآخر وهل لازالت النوايا حسنة لإعادة المياه لمجاريها كما أعلن ذلك الدكتور القرني بمد يده لمناظره وفق معايير يتم الاتفاق عليها مقابل تخلي الطرف الثاني عن الاتهامات القاسية وتصنيفهم بطالبي السلطة واسْتِعدَاء قرارات مجلس الأمن وتأثير ذلك على الرأي العام العالمي بينما مايهمني وحدة الهدف وتعزيز الانتماء الوطني وابتعاد الشارع المحلي عن هذه الاحتقانات التي تزيد مجتمعنا تمزُّقا وتفرُّدا وخلق عداءات لامبرر لها فكلا الرجلين يمثلان عقلية ناضجة وفكرا متَّزنا وإن اختلافا فكل منهما يحمل همًّا فكريا محاولا الدفاع عن مشروعه علما بأن الاختلاف لا يفسد للود قضية ولا يخلق عداء خفيا أو ظاهرا مُهنِّئا الإعلامي المتألق دائما الدكتور عبدالعزيز قاسم بحنكته المعروفة في نزع الفتيل ونجاحه في تهدئة الدكتور القرني بينما ظل الأستاذ الخاشقجي متماسكا محافظا على هدوئه منذ بداية الحلقة مرسلا سهامه من تحت طاولة القاسم في اتجاه مناظره والذي يقتنص الفرصة المواتية للرد عليه وللأنصاف فالاثنين لم يخرجا عن أدب الحوار ولباقته واحترام كل منهما الآخر.