وأعود لتدوين ذكرياتي عن تلك الأيام التي أمضيتها في ربوع اليابان ومرت مسرعة كساعات، وتدخل علي رشا بصحبة والديها مهنئين بسلامة عودتي إلى مدريد، وتحدق في عينيً خشية أن تكونا قد أخذتا شكل العيوناليابانية فضاقتا شيئا ما، وتسأل عن صحتي خلال الرحلة وعما إذا كان تناول السوشي والساشيمي قد تسبب في رفع نسبة اليورك أسيد عندي كما حصل لي في زيارتي السابقة، أجبتها أن كل شيء مر على ما أحب وتمنيته، ردت بقولها الحمد لله،ولكن هل من بين أمانيك أن تزور اليابان بمفردك؟ وبيننا وبين صديقك الياباني الذي استضفته معنا في ماربيا واستضفناه هنا في مدريد وعد بأن نزوره بصحبتك؟ لقد اخترت لسفرتك هذه المرة وقتا غير مناسب لي ولا لوالديَ، الوقت المناسب هو رأس السنة واخترت لسبب أجهله الثلث الأخير من أكتوبر والأسبوع الأول من نوفمبر. سامحك الله يا جارنا العزيز. ودافعت عن نفسي بالقول أن اختياري السفر مع الثلث الأخير من شهر أكتوبر هو رغبتي حضور سباق الخيل بطوكيو الذي صادف في اليوم الرابع والعشرين من أكتوبر، وهو يوم المملكة لتقديم كأسها للفائز، وكأس هذا العام هو الحادي عشر، وهذه مناسبة تشدني كثيرا وتثلج صدري خاصة عندما أقف بين مئات آلاف الحضور في مدرجات النادي وساحاته ومع ملايين المتابعين عبر القنوات التلفزيونية مؤديين التحية للعلمين السعودي والياباني والجميع يصغون لموسيقى النشيدين الوطنيين. معك كل الحق وعذرك مقبول، قالها والد رشا. ولم تترك رشا الفرصة لوالدها ليكمل الحديث فسألتنني عمن لقيت ممن تعرفت عليهم هنا في أسبانيا وعبر شاشة الإنترنت، وهل التقيت بالسفير الأكثر أناقة من بين السفراء، وتقصد السفير الياباني يوشيكاوا؟، وما ذا عن عازفة البيانو التي التقينا بها في بيتك هنا بمدريد وهي تعزف أمام أصدقائك مقطوعات لفيروز ومن بينها عروس المدائن؟(وتقصد الآنسة ريكو أوازو التي تحيي سنويا عدة حفلات موسيقية خارج اليابان وآخرها أوبرا القاهرة والتالية في الجزائر العاصمة)، وهل التقيت عازفة الكوتو اليابانية؟ وهل قلت لها بأن آلة الكوتو بانتظار أناملها في ماربيا لتعزف لنا مقطوعة ساكورا، وهل شاهدت أي من فتيات الجيشا ورقصن لك؟ وما ذا عن هيروشيما ومجمعها التعليمي الذي تخرجت منه الآنسة هاروكا كاتاراو التي تعمل في سفارة اليابان في لاهاي وأمضت معنا أيام كريسماس العام الماضي، لا بد أنك التقيت بالمائة طفل ما بين الرابعة والسادسة من العمر في المدرسة التمهيدية بذلك المجمع التعليمي جوغاكوين، لقد شاهدت جميع صورك في ذلك المجمع التعليمي، وأعجبت بالمكتبة العصرية التي تعمل بأحدث وسائل التقنية، و لا عجب، هذه اليابان. كما شاهدت صورك وأنت تشهد سباق الخيل في طوكيو، وأنت تحضر الحفلات التي أقيمت لك في سفارة بلدك وفي سفارة الأردن حيث ولديك بالاختيار السفير ديماي وحرمه المهندسة شفا، وفي كلا المناسبتين كنت محاطا بالعديد من الشخصيات اليابانية السياسية والإعلامية وأصدقاء ناديك الشهري الذي أطلقوا عليه كردي صالون. وقد تسألني من أين لي كل هذه المعلومات، وأجيبك بأن بنات حواء إذا رغبن في الحصول على معلومة وجدن الطريق إليها، وبصراحة حصلت على كل ذلك من الآنسة ريكو عازفة البيانو التي حضرت معظم حفلات التكريم التي أقيمت لك في طوكيو وتابعت أخبارك في هيروشيما، وكانت تزودني بالتقرير المدعوم بالصور عبر شبكة الإنترنت يوما بيوم، كما تلقيت منها على شاشة الكومبيوتر عبر الماسينجر لقطات فيديو لعازفة الكوتو آياني سان وهي تعزف لحنا يابانيا مطعما بموسيقى الرحابنة أتبعتها بإيقاع على الطبل فرقصة يابانية تقليدية وهي ترتدي الكومينو الياباني المزخرف بنقوش يختلط فيها الطيور بالورود، على كل الله يسامحك، ورجاءنا، أنا ووالدي أن تخطط لرحلة أخرى إلى اليابان وتنسق معنا موعدها مسبقا. قالتها وأتبعتها بكلمة تصبحون على خير.