لا علم لي بتاريخ مولدي ولا أدري ما هو ذلك اليوم الذي ولدت فيه، كل ما اعرفه هو ما اخبرتني به والدتي ووالدي ووثقه موظف "الجوازات والجنسية" آنذاك عند حصولي على حفيظة نفوس. لم يكن في زمن ولادتي شهادات تسجيل للمواليد تحدد اليوم والتاريخ والساعة والسنة كما هو معمول به الآن لذا تجد من هم في سني ومن سبقونا يشتركون في يوم الولادة والشهر وهو اليوم الاول من الشهر السابع الهجري ويختلفون فقط في أرقام السنوات وهذه ميزة خاصة بأبناء الشعب السعودي منحتنا اياها ادارة الاحوال المدنية معللين ذلك لضرورة ادخال البيانات في اجهزة الحاسب الآلي بعد إلغاء حفائظ النفوس واستبدالها ببطاقات الاحوال المدنية. يوم مولدي هو ما حددته والدتي انه في يوم... من سنة... التي هطلت فيها تلك الامطار الغزيرة على بلدتنا وكبار السن عادة ما يحددون التواريخ بشواهد مثل الامطار والكوارث والافراح، لكن الثابت لدي الآن عن مولدي هو ما كتبه موظف الجوازات والجنسية في حفيظة نفوسي نقلاً عن حفيظة نفوس والدي. ليس المهم في كيفية رصد تاريخ مولدي لكن المهم انني تذكرت هذا اليوم وأنا أستعرض بطاقة الاحوال المدنية الجديدة وان كان عمري يزيد عما في البطاقة او يقل عنه فليس في ذلك ضرر لكنني تذكرت فاستعرضت شريط الأمس البعيد وأمس القريب عن حياتي وخرجت من فمي آهات كثيرة يا....ه. كل هذه السنوات مضت وكأنها ساعات تذكرت بعدها قول ذلك الشاعر الاعرابي حيث يقول: لله ايام الشباب وعصره لو يستعار جديده فيعار ما كان اقصر ليله ونهاره وكذاك ايام السرور قصار وجدت في شريط امسي ذكريات تؤنسني اقتفيت الحسن منها اتتبعه واقارنه بيومنا هذا فوجدت شتَّان بينهما فطفولة الأمس البعيد وان كانت خالية ممَّا يتمتع بها اطفال اليوم من تكنولوجيا ورفاهية الا انها كانت مع بساطتها بريئة فيها من الصدق والعفوية ما يملأ فراغاتها بالطمأنينة. كانت طفولة مبنية على واقع ما تراه فالترابط الاسري هو محيطها، الكبير يعطف على الصغير ويبادله الصغير الاحترام كان الالتزام بمبادئ الاخلاق هو ما تستقيه من الاسرة لذا تجد سير الحياة في البيت الكبير وأعني الكبير بيت الاسرة الذي يضم الجميع الاب والام والابناء، المتزوجين منهم وغير المتزوجين ينعم هذا البيت براحة التعايش لقوة الترابط الاسري وتناغم المعاملة. طفولة اليوم ابتعدت عن اجواء الاسرة فانعدم المنهل الذي يزوده بثقافة المعاملة وان كان اطفال اليوم تجمعهم اسرة في منزل واحد الا انهم يبتعدون عن محيطهم لانشغالهم بتكنولوجيا العصر وعلى جميع مستويات الاعمار فكانت الحصيلة أمراضًا نفسية تنمو مع اطفالنا وشبابنا نحصد نتائجها ندامة بعد حين. تذكرت أيام الطفولة وكيف كان الاب يغرس مبادئ وقيم الاسلام والتعايش في نفوس ابنائه وهو يتلذذ بواجبه هذا وعزوف الكثير من الآباء والامهات في هذه الايام عن الجلوس مع اطفالهم وابنائهم يلتمسون حاجاتهم ومشاكلهم والتعرف على اتجاهات كل منهم وتركهم يستسقون مبادئ حياتهم من العاملات في المنازل واجهزة كمبيوتر وافلام تتمركز في كل ركن من اركان منازلهم. شتان بين ما تذكرته في طفولتي وما اراه في يومنا هذا فنحن نسير اليوم على خط ابتعدنا فيه عن غاية النهاية وليتنا نجعل جزءاً من وقتنا نخص به ابناءنا نغرس في نفوسهم تلك المبادئ والقيم والصداقات التي انسلخت من قاموس حياتهم وسأضع اصبعي على تاريخ ميلادي كلما نظرت في بطاقة احوالي حتى أنعم بأيامي. وأختم بقول الشاعر: قالوا شبابك مضت أيامه بالعيش قلت وقد مضت أيامي لله أية نعمة كان الصبا لو أنها وصلت بطول دوام