في النظم الوضعية الحديثة كما أسلفنا هناك سلطات ثلاث، سلطة تشريعية، وسلطة تنفيذية، وسلطة قضائية، وقد أوضحنا ذلك بالنسبة للولايات المتحدة في مقال سابق، والكونغرس بالنسبة للولايات هو بمثابة السلطة التشريعية التي تتمثل في تمرير أو إقرار القوانين على يد كيانات أو هيئات مخصصة لكي تقوم بوضع القواعد للجميع، وهذه العملية لا تنتج القواعد الضرورية لصيانة تماسك الجماعة فحسب، بل تقدم أيضا وسيلة ما لاتخاذ قرار جماعي عند تقرير أي سياسة أو أي خطة، وذلك يكفل في الأمم الديمقراطية من الناحية النظرية على الأقل صوتا للشعب في حكم الدولة. ومن الجلي أن من صاغوا الدستور أرادوا للكونجرس أن يكون مركز النظام السياسي في الولاياتالمتحدة، وأن يكون الفرع الذي له الصدارة بين فروع الحكومة، وفي غضون القرن العشرين خسر الكونغرس الكثير من سلطته لرئيس الجمهورية وليس هذا ظاهرا فقط في الحكومة الفدرالية وإنما أيضا ظهرت في حكومات الولايات المختلفة. وليس معنى هذا أن الكونغرس جماعة من البصمجية، فالكونغرس مهمته أن ينظر السياسات التي تقترحها السلطة التنفيذية، وقد يقرها أو يرفضها أو ينقيها وهو حر تماما في اقتراح سياسات من جانبه. وفي سنة 1974 أقر الكونجرس برنامجا إصلاحيا المقصود منه إيجاد إجراءات تسمح للفرع التشريعي بدور أكثر فاعلية في وضع سياسة الموازنة المالية (الميزانية) فأنشأ الكونجرس مكتبا جديدا سمي (مكتب الموازنة التابع للكونغرس) يرأسه شخص يعينه الكونغرس وله هيئة موظفين محترفين، كما أنشأ في كل من المجلسين لجنة موازنة جديدة، وصار هذا البرنامج تام الفعالية بحلول سنة 1976 وتحدد به جدول مواعيد القرارات الموازنة كما أوجب أن تكون كل الأمور المتعلقة بالموازنة بما في ذلك الضرائب والإنفاق والإعتمادات والعجز والفائض خاضعة للتنسيق عن طريق اللجنتين الجديدتين (لكل من مجلس النواب والشيوخ لجنته). وتزايدت أزمة التجميد في عهد إدارة نيكسون مما أدى إلى تأكيد رقابة الكونجرس على الموازنة، ويجب الآن على الرئيس أن يخطر الكونغرس بنيته سواء في تأجيل صرف الإعتمادات أو تجميدها ويستطيع أي من المجلسين رفض التأجيل بمجرد إصدار قرار بذلك، أما في حالة اقتراح التجميد فلابد من موافقة كل من المجلسين على هذا الاقتراح في مدى خمسة أيام من إخطارهما بتوجه الرئيس إلى ذلك، وإلا كان اقتراحه هذا مرفوضا. ولم تقلل الإصلاحات بخطة هيمنة الرئيس ولكنها قوت دور الكونجرس في الأمور البالغة الأهمية في صياغة الموازنة والرقابة عليها. وبموجب الدستور يشارك الكونغرس في إقرار المعاهدات وهذه الوظيفة بالذات مخصصة لمجلس الشيوخ الذي يجب أن يوافق على أي معاهدة بأغلبية ثلثي الأصوات، ويقوم الرئيس الذي يتفاوض ثم يقدم المعاهدات إلى مجلس الشيوخ ويملك الكونغرس سلطة اقتراح التعديلات الدستورية بأغلبية ثلثي الأصوات لكل من المجلسين وللكونغرس الحق في الإشراف على أعمال السلطة التنفيذية، ومن أهم أدواته (ديوان المحاسبة العام) الذي يرأسه مراقب عام الحسابات، وديوان المحاسبة العام يرفع تقريره إلى الكونغرس لا إلى الرئيس وله السلطة الكاملة في إجراء الاستقصاءات حول استخدام أي مبالغ مالية أو تطبيق وإدارة أي برنامج ويجب أن يقوم الكونجرس برصد كل ماتنفقه الحكومة من أموال، فإذا لم يكن راضيا عن أي برنامج معين، فإنه ينقص أو يلغي تماما الاعتماد الذي له. ومن حق عضو الكونغرس الفرد إن شاء أن يسمع شكاوى المواطنين ويحققها. وثمة وظيفة أخرى ذات أهمية حيوية للكونجرس والهيئات التشريعية في الولايات المتفرقة وهي قادة الاستقصاءات والمناظرات أو المناقشات العلنية وغير ذلك من وسائل إعلام الجمهور بالحقائق. وإلى اللقاء في الحلقة القادمة فاكس 8266752