تقوم أجهزة الادارة العامة بمسؤولياتها الرسمية المقررة من خلال تنفيذ سياسات الدولة العامة التي ترسم نظريا على الأقل من أجل خدمة المجتمع وحمايته وتحقيق مصالحه المختلفة والاستجابة لمطالبه المشروعة، وحتى تنفذ هذه الأجهزة واجباتها يجب أن نمتلك الكفاءة الادارية، وان ترتكز على ثلاثة عوامل رئيسة هي قوة التنظيم، قوة الأداء، وقوة الأخلاق وسوف اتحدث في هذا المقال عن قوة الأخلاق. الأخلاق جمع خلق، والخلق يعني في العربية الطبيعة والسجية، ولكن ليس كل ما يتصف به الانسان يكون مكتسبا بالاجتهاد والتدريب وحمل النفس على الالتزام. للقيمة الاخلاقية القوية فوائد على المستوى الشخصي، فإلى جانب ما يحصل بها من راحة ضمير وسكون النفس وسمو المعايير، تعزز ايضا السلوك المستقيم والذي يمثل اهم مطالب تحقيق نتائج مضمونة وسريعة بالطرق المشروعة، فالسلوك المستقيم من حيث اثره في تحقيق الغايات المشروعة والمصالح الحقيقية يشبه الخط المستقيم الذي يثبت علم الهندسة بأنه يمثل أقصر مسافة بين نقطتين. لقد اثبتت الدراسة والادلة والشواهد على مدى قرون من الزمن ان المؤسسات والمنظمات بغض النظر عن حجمها وقوتها نظريا، وسلامة ما تقوم عليه من افكار ومناهج، ومهما كانت محكمة ومتقنة، وايا كان مجالها التطبيقي: السياسة، الاقتصاد، الاجتماع، الادارة، التعليم، فلن يكون بإمكانها افراز آثار جيدة ودائمة على ارض الواقع في ظل تدهور وضعف القيم الاخلاقية لدى القائمين عليها والمعنيين بتطبيقها. وفقا لهذه الحقيقة التاريخية، فإن بُعد السلوك الاخلاقي يفوق في أهميته البعد التنظيمي بالنسبة لنجاح التطبيقات التنظيمية لأن الجهود التطبيقية التنظيمية لا تكون مشدودة إلى المدى البعيد في اتجاه ثابت باعتبار عامل المصلحة فقط، بل وبفضل دفع القوة الاضافية للمبادئ الاخلاقية التي تثمر ضابط النجاح الأهم وهو استقامة السلوك. الأخلاق الفاضلة تجعل من صاحبها طالب حق يسعى إلى الوصول إلى الرأي الأفضل ويقبله، ولا يصر على رأيه انتصارا لذاته وارضاء لغروره، ومنها تطور المعرفة الذي يكون مسببا لإتقان المؤسسة لدورها التنفيذي في الدولة، ومنها التروي والدقة ودراسة الاحتمالات عند تفسير الاحداث ووضع الافتراضات واتخاذ القرارات ثم ان الموظف العام مؤتمن على وظيفته، فالمؤتمن تتفاعل في ضميره الضوابط القانونية، والضوابط الاخلاقية اكثر من اي شخص آخر، فالضوابط القانونية تمثل رادعاً رسميا تحول دون انتهاك الموظف العام لالتزاماته الثابتة تجاه الغير، والضوابط الأخلاقية تسهم في الحيلولة دون اخلال الموظف بأمانة العمل التي كلف بها. من أهم الأخلاقيات التي يجب الالتزام بها من قبل الافراد والمؤسسات الى جانب العلم والمعرفة والحرص على المصلحة العامة، والاهتمام برغبات ومطالب الناس، والالتزام بمبدأ الغاية لا تبرر الا الوسيلة المشروعة، فلا يجوز بدون دليل شرعي ان يأتي الموظف العام بتصرف غير أخلاقي أو غير انساني بحجة ان غاية ذلك التصرف تبرره، واحترام الانظمة والتشريعات والحذر من سوء استخدام السلطة او تجاوزها وعدم استخدامها الا فيما خصصت له، اضافة إلى التفاؤل والجرأة وعدم التحيز وعدم اهمال ما يتعين القيام به، لأن الاخلاق الفاضلة لا تسمح بالاستهانة بحق ولا التفريط بواجب ابراء للذمة ووفاء بالالتزامات والمسؤوليات. مدير عام وزارة التخطيط/ متقاعد فاكس 6658393