لعل من نافلة القول التأكيد على أن حياتنا لا تنتظم ولا تستقيم إلاّ بضوابط سلوكية محددة، تهدف إلى تنظيم العلاقات بين الناس من مختلف شؤون الحياة، وفي مقدمة هذه الضوابط الأخلاق التي تحكم هذه التعاملات، فليس من سمات الموظف في الوظيفة العامة أن يسلك السلوك الذي تحكمه المصالح الفردية، وتسوده العواطف، وتسيّره النزوات. وهناك علاقة الأخلاق بالمسؤولية الإدارية، وهي علاقة مباشرة لكونها توفق بين السلطة والمسؤولية، والتي تحول دون الإجراءات التعسفية، أو استغلال النفوذ، وإساءة السلطة بل تجعل هدف الإدارة العامة منصبًا في عمومه على ما يحقق المصلحة العامة في محيط عمل تسوده الأخلاق الفاضلة. الوظيفة العامة تمثل وجه الحكومة ويدها تجاه المواطنين، وعلى مَن يقبل بذلك التكليف أن يكون أهلاً له في كل تعاملاته، لأنه تكليف مبعثه الثقة، ومردوده المرتجى الصدق والأمانة وحسن الخلق، ومَن تشوب أسلوبه في التعامل مع الناس شائبة، فإن عليه أن يضع نصب عينيه أنه في هذه الوظيفة هو لا يمثل نفسه، بل هو يمثل الدولة في هذا القطاع، وبالتالي فإن عليه أن يتحلّى بأخلاق الوظيفة العامة، وأن يلتزم بالواجبات الوظيفية بصفتها وسيلة من وسائل تحقيق الهدف الأساس للوظيفة العامة، وهو تقديم الخدمة للمواطنين بأسلوب يسوده حسن الخلق، وطيب المعاملة والأمانة.. (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)، والموظف والموظفة مؤتمنان من الدولة على الوظيفة التي يشغلانها بكل صدق ونزاهة، ولعل ما يسيء إلى موظف الدولة أن تقل درجة إخلاصه، فلا يتفرغ للأعمال المنوطة به، ويصرف بعض وقته لعمل ربحي خاص به، وينسى أنه يتقاضى أجرًا على هذه الوظيفة التي ارتضاها لنفسه (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، ومن الفضائل التي يلزم توفرها في الموظف، الصدق في القول، والإخلاص في العمل، والتحلّي بالصبر.. (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)، إن كل ما أوردته في هذا المقال مستوحى من أحد الإصدارات الإعلامية لوزارة الخدمة المدنية، وبنفس العنوان، وقد احتوى هذا الإصدار على العديد ممّا يستلزم ذكره عن الموظف العام، وأخلاقيات المهنة التي شملت الالتزام بالألفاظ اللائقة، ومساعدة المحسنين والمعاقين، وكل ما يتطلب حالهم العون، ومن أهم ما ذكر أيضًا المحافظة على المال العام من حيث الحرص على الأموال والممتلكات العامة بما فيها المكاتب والأثاث والأدوات والأجهزة والحرص عليها، كما أن الموظف ملزم بالحفاظ على أسرار العمل والحرص على عدم الانفراد بالرأي، وأن يحسن مظهره ويحسن علاقته بزملائه ومرؤوسيه إلى آخر ما تضمنته أخلاقيات الوظيفة العامة، والتي آمل أن يتم طباعة مئات الألوف منها لكي تصل لكل موظف، وأن يتم تسويقها إعلاميًّا من خلال موقع وزارة الخدمة المدنية على الشبكة العنكبوتية ومن خلال برامج التوعية الإعلامية بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وأن تكون هناك حلقات وورش عمل ولقاءات مع المختصين بغية ترسيخ مفهوم أخلاقيات الوظيفة العامة.