هذا الأمر الذي يحتار الناس فيه، تحتار الناس كيف تستقبله، كيف تفهمه، كيف يستطيع إنسان أن ينهي حياته بيده، أي يأس وألم يدفعه لفعل ذلك، كلنا نعاني، وكلنا يصيبنا الهم واليأس مرات، لكن قليلون هم الذين يصل بهم الألم من الحياة إلى حد وضع نهاية لهذا الألم بالتخلص من الحياة. لا تزال الناس لا تعرف أن مرض الاكتئاب مرض قاتل، 15 في المئة ممن يعانون من الاكتئاب ينتحرون، لكننا كمجتمع لا نزال نرفض الاعتراف بهذا المرض، مازلنا نفكر فيمن يصيبه الاكتئاب بأنه مصاب بالعين، أو السحر، أو أنه ضعيف الإيمان، وفي كل الحالات الإنسان المصاب بالاكتئاب بالنسبة لنا ضعيف. لكن ضعفه لا يدفعنا لمساعدته، يدفعنا للومه لضعفه، لاتهامه بالضعف والتخاذل وعدم القدرة على مواجهة الحياة، نعم، نحن نحكم على مريض الاكتئاب بأنه ضعيف ومتخاذل، نتركه لتعبه وألمه ونشيح بوجهنا عنه، ربما لأننا لا نعرف كيف نتصرف حياله، مريض الاكتئاب مريض صعب، لكن التخلي عنه، أو اتهامه بقلة الدين والإيمان ليست الحل، لن تعفينا من لوم أنفسنا لأننا تخلينا عنه حين كان في حاجتنا، ومريض الاكتئاب أيضا يجب أن يعرف أنه مريض، وأنه بحاجة للمساعدة، وأن هناك علاج لحالته. يجب أن يتعاون المجتمع كله ويهب لمساعدة المكتئبين، ليس من العدل أن يموت عالم نحن بحاجة لعلمه وأبحاثه لأنه وقع فريسة هذا المرض القاتل، ليس طبيعيا أن نتهم السحر أو العين، أو نبحث عن أسباب غير واقعية وعجيبة كي نخلص أنفسنا من التفكير في كيفية مواجهة هذا المرض القاتل الذي يستشري في الناس بدون أن يكون هناك خطة حقيقية لمواجهته. مازلت أحتفظ بمقال الدكتور فؤاد عزب الذي تحدث فيه عن الاكتئاب، وهو بحسه العالي استطاع أن ينقل في مقاله ذاك مشاعر المصاب بالاكتئاب بدقة وحساسية شديدة، مازلت أيضا احتفظ بمقال الأستاذ نجيب الزامل عن صديقه الذي أصابه الاكتئاب والذي كان يطالب فيه بتكثيف الوعي عن هذا المرض. تذكرت هذين المقالين بعد أن فجعنا جميعا بموت العالم والباحث الدكتور ناصر الحارثي. أصابني الحزن لأننا فقدنا شخصا مثله بسبب هذا المرض، أعتقد أن حقه علينا بعدما مات وقد ترك خلفه كل هذا العلم من مؤلفات وأبحاث أن لا نجعل موته يمر سريعا مجهولا، ربما أمكننا من خلال موته أن نسلط الضوء على هذا المرض الفتاك، ربما استطعنا أن نساعد غيره من الذين يعانون من الاكتئاب، أن نأخذ بأيديهم، أن نقول لهم أنه مرض، وانه في بداياته يمكن السيطرة عليه وأن الألم الذي يشعرون به نشعر به ويمكنهم التخلص منه بالخضوع للعلاج، أنه مرض عضوي يسببه نقص مادة في الدماغ وأن نتائجه نفسية، لكن ذلك لا يعني أنهم ناقصي دين أو إيمان.