الكتابة الصحفية فن رفيع، اذا جانبه الاخلاص والثبات على المبادئ تحول الى دعاية رخيصة، لا يعبأ بها احد، واثرها على المجتمع بالغ السوء، ذلك ان الكتابة للصحف إن لم يكن لها غاية نبيلة تخدم الوطن وأهله، فهي اداة لاغراض اخرى اقلها شأناً الغايات الشخصية البحتة، والتي هي دافع بعض الكتاب اليوم لممارسة هذا الفن، ظناً منهم انهم به يحصلون على نفع مادي أو شهرة علها تؤسس له مكانة يفتقدها، لانه لا يمتلك اسبابها، وأسوأها غايات مشبوهة إما لفكر متدنٍ أومنحرف، يروج له، ويمر اليوم بساحتنا الصحفية اعلام من الكتاب رائعون، أوتوا من الجرأة ما صدعوا به بكلمة حق لا يرجون لها ثواباً إلا من رب العباد، ويتحملون بكل الشجاعة مسؤوليتها، كما اتوا من الاخلاص ما لا يستطيع احد ان يشكك فيه، تعرفهم بسيماهم وبلحن القول مما يكتبون، وهم ولا شك اليوم قلة في زمن التلون، الذي طغى فيه على الكتابة الصحفية عدد من الكتاب المتلونين، ممن لا تعرف لهم مبدأ ثابتاً يخدم من خلاله وطنه ومواطنيه، فلا موقف وطني له يدافع عنه، ولا فكراً نيراً يبثه من خلال كتاباته، لا طعم له ولا رائحة، نقرأ له اليوم ما يناقض به ما كتبه بالأمس، ويدعو الى ما سيعارضه بعد ايام أو شهور، ويؤيد في الرأي ما كان أشد المعارضين له من قبل، ويبالغ في الثناء على من كان يذمه بالأمس، يغيب عن كتاباته النقد إلا في حالات نادرة، ويحضر باستمرار فيها كل شيء تمام يا افندم، لا يرى خطأ يجب أن يصحح، ولا تقصيرا يجب ان ينبه عليه، يتقن التبرير لكل خطأ يقع، أو خلل يتفاقم، مقالاته في غالبها كما يقول أحد احبابي منزوعة الدسم، لا تستثير شهية احد، وتهضمها كل معدة مهما كانت عليلة، ولعل كثيرا من الصحف تقبل على مثل هذا، وتتيح له المجال ليكتب فيها، بل وتمنحه المكافأة الأعلى، لأنه ولا شك لا يسبب لهم صداعاً فهو لا يقول شيئاً، ولعله القارئ الوحيد لمقالاته، ومع هذا فمثله اليوم يتكاثرون وهو أمر جد خطير، لأن تسيد مثل هذه الكتابات على ساحة ما يكتب في الصحافة يعني اننا لا ندرك مهمة الصحافة الأساسية، المتمثلة في الرقابة، والتي من أجلها نعتت بالسلطة الرابعة، فإن لم تقدم الصحف المقالة الصحفية التي تقدم للناس فكراً يرتقي بهم، ونقدا موضوعيا نزيهاً يكشف الاخطاء وينبه على ألوان الخلل والقصور، ويدعو لاصلاح الأوضاع السيئة، فلا خير فيها ولا قيمة لها، وما لم تدرك صحفنا هذا الأمر فلن تشارك بفعالية في بناء نهضة الوطن وتقدمه، ومسؤوليتها في هذا الباب عظيمة ان لم تمارسها فلن يرحمها التاريخ، فهل يشعر بذلك المشرفون على صحفنا والعاملون فيها هو ما نرجو والله ولي التوفيق. ص.ب: 35485 جدة: 21488 فاك: 6407043