بعض إدارتنا الحكومية تأخذ كل شيء على محمل شخصي، خاصة إذا ماوجهت انتقادا لآدائها سرعان مايخرج جنّي (الشخصنة) من قمقمه ليقولوا لك أنك معوق للعمل ومعرقل لاستراتيجية الإدارة وبرامجها رغم أنك لا ترى لها طحينا ولا نخالة.. ونماذج كهذه عادة يروق لها الوشاية وتشغل نفسها بالأشخاص وما يقولون.. والإدارة القائمة على ثقافة الشخصنة عادة تكون قراراتها انطباعية.. غاضبة.. وشكلية مرتبكة. إلى هذا الحد توجد إدارات مفتونة بثقافة الأشخاص المضللة لا الأنظمة الهادفة.. فتقرب من ترضى عنهم وتتستر عليهم.. وتبعد من تغضب عليهم، وشيئا فشيئا تسلم رقبتها وأقصد مهامها الإدارية للنفعيين والوصوليين وهواة تسلق الأكتاف. هنا يتسلل الفساد ولا يتنبه المسئول إلا بعد أن تحترق أصابعه بحكم أنه (المسئول) عن ما يحدث في إدارته.. ومن يتابع صحفنا في الأسابيع بل في الأيام الأخيرة يصعقه هول الوقائع التي تعكس ثغرات الشخصنة في أكثر من جهة وطريقة أهل الثقة لا أهل الخبرة. أعود إلى الجانب الآخر من ثقافة الشخصنة التي لاتعرف سوى مبدأ بوش الشهير "من ليس معي فهو ضدي" وهو مبدأ خطير في الإدارة أيضا كما هو في السياسة.. وشخصيا لي حكاية مع هذه الطريقة العجيبة فقد انتقدت أخطاء وتجاوزات في أمانة محافظة جدة قبل أن تصبح (على المكشوف وعلى كل لسان) إثر نشر أكثر من تقرير في الصحف عن المخالفات وأخيرا وليس آخرها ما تصدر صحيفة "المدينة" وعنوانها الرئيسي عن أوكازيون الرواتب لمتعاقدين وتطفيش الموظفين السعوديين وتجميدهم ومحاربتهم بالتضييق عليهم. أقول بصدق ما إن انتقدت تلميحا ثم تصريحا، فوجئت بمن يرعد ويزبد ويهدد ويتوعد بفصلي.. تصوروا تهديد كاتب بصفته الوظيفية بجهة حكومية ومن الإدارة المفترض أنها معنية بالموارد البشرية (الوطنية) وهذا بلاغ إلى كل من يهمه أمر الأمن الوظيفي للمواطن . أرأيتم كيف بلغت حالة الشخصنة في الإدارة حتى وإن كنت تكتب عن حماية الصالح العام وأموال الدولة، بعد أن بح صوتك داخل الجهة نفسها بأنه لا يجوز توزيع الوظائف والرواتب بهذا السخاء على غير سعوديين في جهة حكومية وفي أعمال لا تحتاج لخبرات نادرة ولا إلى جهابذة زمانهم وكأنهم لا يوجد مثيلا لعقولهم في بلادنا.. ثم بعد ذلك نتحدث عن توطين الخبرات والوظائف ؟!. سؤالي : ماذا لو كنت ممن يلوكون الكلام عن عدد الحدائق في جدة وأرقامها المعروفة منذ سنين ويصرح بها المسئولون يوما بعد آخر بعدد أيام السنة ؟. وماذا لو قلت أن كل شيء على أفضل ما يكون (وما في بعد كدة) من تطور في المرافق في جدة، وأن الأخطاء في بعض الكباري والجسور هي من عين الحاسدين.. وإن الزهرة فاطمة التي اغتال الإهمال حياتها، هي وحدها المسئولة عن ما حدث لها.. وأن الأمانة حريصة كل الحرص على أرواح الناس صغارا وكبارا وعلى راحتهم شيبا وشبابا، وسعادتهم في كورنيش آمن ونظيف ومتحضر. أعتقد أن ثمن تزييف الصورة سيكون الرضا لو أشدت بأسماء.. وخدعت القارئء بكلام معسول عن انجازات قديمة أو خطط مستقبلية بضمير (سوف) الذي نسرف في استخدامه ولا نرى له أثرا.. لكن أما وأني اخترت الحق، فلابد أن أسير في طريق ملغم بالقرارات الشخصية التي يجعلونها فوق الأنظمة الحامية للصالح العام ومصلحة الوطن وحرمة أموال الدولة. أصارحكم : كنت قد قررت أن لا أخوض مجددا في أمور تتعلق بتلك الأخطاء.. لكن (الشخصنة) أعادتني إليها، وأتمنى أن أغلق الحديث لقناعتي بأني قلت ما يمليه علي ضميري وثبتت صحته من لجان رقابية رسمية قالت كلمتها. * نقطة نظام : اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد. [email protected]