بعد قرون جمة من الاختفاء افتتح المبدع دائم السيف سوق عكاظ لعامة الثالث مع بداية إجازة صيف هذا العام 1430ه ليعيد إلى الذاكرة تلك الأجواء التاريخية التي سجلها التاريخ في صفحات الكتب، وعقول الخلائق حباً منه في تأصيل الثقافة العربية ملتزماً بثوابت أرساها الشعراء الأوائل للجزيرة العربية، ورغم العمر المديد لاختفاء فعاليات هذا السوق إلا أنه لا زال عالقاً بالأذهان من خلال الاطلاع على حيثياته بما هو موجود في كتب التاريخ، ويقع ملتقى السوق بين الطائف ومكة المكرمة، وقد نشأ قبل الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام بسبعين عام، واستمر حتى عام 149ه حيث يبدأ فعالياته في الأول لشهر ذي القعدة إلى منتصفه، وقد يمتد حتى اليوم الثاني من شهر ذي الحجة، وهو من أهم المراكز الاجتماعية، والسياسية، والتجارية، والأدبية في ذلك العصر، ومن أكبر وأهم الأسواق الجاهلية وأشهرها التي جعلت الأدب يؤثر في المجتمع تأثيراً فعالاً من خلال قوته واهتمامه بشتى مجالات الحياة المختلفة (الحرب – الصلح – الزواج – الطلاق – الكرامة – الشرف سياسة القبائل الداخلية والخارجية...) وقد كانت العرب تنتهزُ فرصة هذا الموسم لتأتي بشعرائها وخطبائها ليكونوا لسانها في السوق، حيث التفاخر والتنافر، وإنشاد الشعر، والخطب، والتسابق على الفوز بين الشعراء، افتخاراً بفصاحتها على من يحضر الموسم من شعراء القبائل الذين يحرصون كل الحرص لحضور هذا الملتقى الذي من خلاله تنتشر قصائدهم في جزيرة العرب نتيجة تناقلها على ألسنة الرواة والمستمعين، وقد أشتق اسمه حسب ما جاء في الكتب المختصة أن العرب كانت تجتمع فيه فيعكظ بعضهم بعضاً في المفاخرة أي يقهره ويغلبه، ومنهم من يرى أن اشتقاق اسم السوق يعود إلى المعاكظة وهي المحاجة في المفاخرة التي كانت إحدى نشاطاته، فاسم السوق يدل على ما فيه، فللاسم دلالة واضحة على المسمى، فسوق عكاظ سوقاً شاملة لا تكاد ترقى إليها الأسواق الكبرى ولا المراكز التجارية في زماننا الحاضر لما لذلك السوق من نشاطات وفعاليات جُمعت في مكان واحد، فهذه الخطوة الإيجابية التي تبناها ابن الشهيد تغمده الله بواسع رحمة لإعادة بريق هذا السوق تعتبر نموذجاً من نماذج إحياء التراث المنقرض نتيجة عوامل مختلفة تعرضت لها في ركب الحياة، ونقطة البداية للحفاظ على الماضي الجميل ليكبر أبنائنا ويروا بأعينهم كيف كان القدماء من سلالتهم من أهل الجزيرة يعيشون فترة نماء بالنسبة لذلك الوقت. فالتراث نستنشق من عبقه الماضي الجميل الرائع، فهو روح التاريخ، وعلامة البقاء، ورمز التواصل لا الفناء. * همسة: أدب المرء خير من ذهبه. ومن أصدق من الله قيلاً (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى). ناسوخ: 0500500313