تطالعنا الصحف في كثير من إصداراتها بتعقيبات لعدد من المسئولين تتضمن ردا على شكوى أو تساؤل , وفي أحيان يتضمن التعقيب هجوما أو سخرية أو إفحاما مسلحا بالأدلة والبراهين والأوراق الرسمية . والحقيقة أنني أحرص على قراءة ردود المسؤلين بهدف أن أختصر الوقت فأقرأ الخبر والرد عليه في آن واحد , ولعلي أجد أحدهم يعترف بما وجه إلى دائرته أو حتى إلى شخصه (باعتبار منصبه) من إتهام , ولكن , لا أحد يملك المروءة والشجاعة ليقول نعم , قصرنا وتهاونا ! وأتساءل كثيرا : لماذا يحمل المواطنون كل هذا الشر والحقد على المسئولين , ويكيدون لهم بافتعال المشاكل وإلصاق التهم بهم ؟ لماذا يدعي الأب أن ابنه فارق الحياة وهو واقف أمام المستشفى الذي رفض استقباله ؛ بينما يصر أصحاب الشأن على أن المستشفى قد تناول الطفل من أبيه وحمله على كفوف الراحة , ولكن التأخير في إحضاره عجل بوفاته ! لا أدري إن كانوا يقصدون التأخير أمام مدخل الطوارئ ! وإذا اشتكى طالب بأن المعلم ضربه وحبسه في الفصل وقت الفسحة وأرفق شكواه بصوره وهو متورم الوجه ؛ رد مدير التعليم بنفسه ( وكأنه يعرف المعلم ! ) بأن المعلم متميز ومثالي ولكن الطالب كان غائبا في اليوم المذكور, والسجلات تثبت ذلك !مراجع لإحدى الدوائر الحكومية ( الله يهديه ) يبالغ ويقول أنه وقف ينتظر دوره ست ساعات ولم يجد بعد ذلك كله سوى الجفاء والسخرية من الموظف , مما أدى إلى نقاش حاد انتهى بتشابك بالأيدي , ثم بتوقيف في مركز الشرطة , ويكتشف المسكين الحيران في أمره من خلال تعقيب المتحدث بلسان الإدارة المعنية أنه مريض نفسي وانه قد قوبل وجميع المراجعين بكل ترحاب وأنهيت معاملاتهم بسرعة وسلاسة , وتخلل ذلك توزيع المرطبات الباردة و ولكنه فجأة وبخ الموظف وتطاول عليه بالسب والتجريح ( تعبيرا عن سعادته ورضاه !) أليس من الممكن على أقل الاحتمالات أن تكون شكوى واحدة صحيحة ؟ طيب , أين الاعتذار والاعتراف بالخطأ والتقصير ؟ وهل من المحتمل أن تكون الشكاوى كيدية وصادرة من مختلي العقول وضعاف النفوس ؟ من أين يأتي هؤلاء الناس المتضررون ( على حد زعمهم ) بأوراق وتقارير يدعون أنها صحيحة ومن يزورها لهم ؟ بينما تملك الجهات الرسمية المشتكى عليها الأوراق الحقيقية , لماذا هذا البعد الشاسع بين موقف الطرفين ؟ ومن نصدق ؟ نتعاطف كثيرا بحكم وضعنا مع المواطن والمراجع ورجل الشارع والطالب والمريض والفقير والأطفال والخدم , ولكن أليس من المألوف هذه الأيام أن تطالعنا الأيام بكل غريب . لللأسف , الحقيقة في مجتمعاتنا مثل الماسة المصقولة ؛ نعم ... مثلها في ندرة وجودها من ناحية , ومثلها في تعدد وجوهها , فالحقيقة عندنا لها أكثر من وجه جميل كل طرف يأخذ الوجه ( اللي يريحه ) وكل واحد عنده ورق وشهود !