لم تكن حالة اعتيادية ذلك اليوم لكن رجل الأمن المناوب أكد لي أنه المناخ العام والمعتاد في هذا السوق الكبير على الرغم من أنه مخصص للعائلات إلا إنه يضج بالصخب من قبل مراهقين كُثر ..الشباب يلاحقون الفتيات بطريقة مريبة..يعترضون سيرهن و يتلفظون بألفاظ خادشة للحياء.. أحدهم يمر بسرعة البرق يضع ورقة صغيرة في حقيبة إحدى الفتيات.. الفتاة لازالت مذهولة من وقاحته وجرأته لكنها اكتفت بنعته.. "يا حيوان" . هناك على السلم المتحرك شاب يرصدُ تحركات النساء يتفحصهن جيدا من رؤوسهن وحتى أخمص أقدامهن.. كلما حانت له الفرصة بدأت حلقات مسلسله في الغمز والهمز .ليس الأمر بمختلف في بعض مستشفياتنا العامة أو الخاصة ستجد من أدوار هذا العبث ما يزيد استغرابك..مع اداري قد يتمادى في مضايقة ممرضة مكتوفة اليدين.. تخشى أن يضرها في عملها الذي ربما يعول أسرتها الفقيرة حتى في ممشانا الجميل المكان الذي يحوي هواء نقيا وألوانا زاهية.. المكان الذي يعيد حريتنا المفقودة هناك في آخر ممراته جمع من البُلهاء اعتادوا أن يستعرضوا مهاراتهم المقززة دون اكتراث بالآداب العامة.. يفعلون ذلك ليلفتوا نظر الفتيات نحوهم. في الجانب الآخر من الممشى ذات مساء شاهدتُ أربعينيُ يطارد فتاة مراهقة أجزم أن أصغر بناته في عمرها إن لم تكن أكبر منها ..حالة هستيرية من العبث والفوضى تنتاب هؤلاء وغيرهم وثمة مواقف أخرى لا يتسع المقال لذكرها.. واقع مؤسف وغوغائية فاضحة إنه واقع يصورنا بصورة سيئة أمام أنفسنا قبل أن تكون أكثر سوءا أمام العالم .. هل نحن مجتمع متناقض ندعي الكمال ونخفي حقيقة واقعنا البائس تحت مظلة خصوصيتنا الاجتماعية .. هل كنا هكذا قبل أعوام مضت هل وصلنا للمرحلة التي لا تستقيم معها سلوكياتنا إلا بزرع كاميرات مراقبة في الأسواق العامة.. الواقع يبرهن ذلك رجال الهيئة قبل أيام يؤكدون أنهم ماضون في تنفيذ قرار وضع كاميرات في الأسواق لرصد مخالفات المعاكسة.. إنها كاميرات المراقبة التي يستخدمها العالم أجمع للحد من سرقة المتاجر والبنوك نحن نجلبها لتقوم بدور الوصاية على أعراضنا وشرفنا. لدي قناعة تامة من أننا لسنا بأكمل البشر لكننا كباقي الناس لانختلف عنهم..إذن ما الذي يؤجج هذه الصورة السوداوية ليجعل من بعضنا ذئاب بشرية تتحين الفرص لتهتك وتتعدى الحرمات. اعذروني في إقحام مفردة نحن التي قد لا تروق للبعض لكنني أتساءل من هؤلاء إن لم يكونوا أبنائنا وإخواننا ونتاج تربيتنا ؟. إذن كيف للبعض في بلاد مهبط الوحي أن يكونوا هكذا ؟ ألم يُبعث فينا نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم برسالته السامية إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.. على الضفة الأخرى من صفحتنا هذه كتب فوزي السعيد في مقالته الجمعة الماضية موضوعاً يحاكي واقع الخلل إنه يضع أسئلة هامة في نهاية مقالته يقول:- - لماذا لا نتعرف على الكيفية التي تعالج بها شعوب المعمورة الحالات المماثلة؟ - لماذا لا نتعرف على المعنى الحقيقي للعقد الاجتماعي وكيف يتكيف المجتمع مع ذاته في الدول الأخرى؟ - لماذا لا نعيد النظر ببرامجنا التعليمية لنتعرف على أخطائنا فيها ومن خلالها؟ - لماذا لا نعيد النظر بعاداتنا وتقاليدنا التي عفا عليها الزمن؟ - لماذا لا نعيد النظر في المواد الدينية التي تُدرّس في المدارس من المهد إلى اللحد ولم تستطع أن تعطينا إنسانا مهذبا يعرف حقوق الإنسان الآخر ويحترمها؟ - لماذا لا نتعرف على الخلل في التربية داخل البيت والأسرة؟ أسئلة تحوي المعاناة وتضع حلولها المنطقية لا التعسفية العشوائية.. صورة طبق الأصل لنا ولأمالنا البعيدة.. فاصل دون أن نواصل اللهم أصلح أحوالنا.. [email protected]