على إيقاع دربكة الركض وتناغما مع صوت السواقي يعزف المكان هاهنا سيمفونية اللقاء حيث السلام والوئام وقصص الانتماء. هكذا تبدو لي ملامح هذا الممشى الفسيح الذي اعتدت ارتياده منذ أمد بعيد أمارس فيه رياضة المشي مرة أو مرتين في اليوم إلى درجة أنه بات واجباً من واجبات يومي المنهك بالمشاغل والهموم, فيه أطلق العنان لما يختلج في صدري لأجده فرصة للترويح والهذيان فكل ما فيه يستدرجك للتأمل والإبحار يا لجماله يمتد من ميدان الأخطبوط وحتى ميدان النورس هنا في جدة خلف بناية فندق الهيلتون.تكسوه حلة من الإمتاع حيث الزهور ومساحات الأعشاب, تجمله عند الغروب أنوار منسدلة خافتة, عند أطرافه يقبع بائع العصائر والحلوى وعلى امتداده تبدو تجمعات للعائلات وهناك على ضفته الأخرى مقاعد للمشاة أعدت بشكل لافت ليستريح المتعبون. اليوم على غير العادة.. في الجزء الجنوبي فتية جاؤوا للعب إنهم يتقاذفون الكرة بشيء من التهذيب لا سِباب لا صراخ تراهم وهم يلعبون في منأى عن البهدلة و(الغثبرة) على العكس من حالتنا أيام نادينا العتيق. وهنا جمع من الشبان يصطفون ليستمعوا لعازف قيثار ماهر أحدهم يقول إنه عزف مغرٍ يحرضك على الهتاف عزف يشعرك بأنك خارج نطاق الدوائر المغلقة هناك في الشانزلزيه, حتى الفتيات يبدون في منتهى الأناقة والالتزام إنهن ماهرات في المشي وبقدر صغر خطواتهن إلا أنهن سريعات في الانطلاق يبدو أن لهن خلطة سرية قد تصعب على هواة "البصبصة". وأرقب قبيل الغروب ذلك الرجل العجوز في تقاسيم وجهه الشاب في روحه وهو ينحني ليربط حبال حذائه الرياضي ويتأهب ليبدأ المشي بأناقته المعهودة..كل ما فيه يدعوك لتكتب عنه.. أرى فيه أنموذجا للرجل المنطلق دونما قيود.. تبهرك ابتسامته وتسريحة شعره الأبيض هو رجل صاحب تجربة ثرية في الحياة اعتدت أن أبتسم له خِلسة لأجده مرحبا بأخرى أكثر جُرأة يا له من جذاب, إنني أحترمك يا عم رغم أني لا أعرف من أنت لقد غدوت عنوانا لواجبي اليومي هاهنا. يا لجمال ممشانا هو الشيء الوحيد الذي يشعرك بالاختلاف عن نمط اليوم وكل يوم.. الجميع هنا يحترم وجود الآخر.. أجمل ما فيه أنه لا يفرض علينا شيئاً من الوصايا (المعّلبة) تلك الوصايا التي وضعت القيود والحواجز أمام حرياتنا الشخصية.. وداعا يا رفاق لقائي يتجدد بكم في الغد بإذن الله. [email protected]