ليست فلسفة ولا فذلكة، كما وصف د. عبد الرحمن العرابي في مقاله «الحزم لحماية المؤسسة التعليمية» يوم الجمعة 28 صفر الموافق 12 فبراير 2010م وتوعد كل من تسول له نفسه (أن يلوم إدارة المدرسة أو إحدى المسئولات بالتسبب في حالة الشغب لشدتها وقسوتها مع الطالبات) حول الحادثة التي وقعت في المدرسة السابعة عشرة المتوسطة للبنات! أجل ليست فلسفة ولا فذلكة، بل حقيقة نتجاهلها، وهي؛ أن العنف لا يولد إلا عنفا، والحب يولد الحب! لا أعرف لماذا ضيق د/ العرابي زاوية النظر، وجعلها على مقاس رؤيته هو، فحجر على الآخرين مخالفته الرأي، بل وجه نقدا لاذعا لمن تسول له نفسه المجاهرة برأي غير الذي رآه سعادته، مع أن الكاتب الأستاذ على الزهراني تحدث في نفس اليوم والتاريخ ونفس الصفحة عن نفس القضية في مقاله بعنوان ( شغب البنات) وانتقد الطالبات والمسئولات، وانتقد الأساليب الإدارية القديمة، ودعا إلى التغيير، دون أن يحجر على الآخرين أو ينتقص من المخالفين، بل أكد على أن: ( لا أحد يستبيح الضرر للبشر والممتلكات، ومهما كانت الأسباب فلا يبرر أحداث الشغب) أتفق معه ويتفق معه كل عاقل؛ لا أحد يرضى بالخراب ولا الضرر ولا الإضرار ! لا أعرف لماذا يجتاحني الألم، كلما قرأت خبرا أو حادثا أو قضية، أحد أطرافها صبي أو صبية، لا أستطيع أن أحكم بجرمهم، ولا أستعذب الأحكام الجائرة ضدهم، ربما لأني أم، أخاف على أبنائي من لمسة هواء تداعب وجناتهم، وليس مقبولا أن تهان ابنتي مهما كان خطؤها، ربما لذلك كنت متيقظة كنمرة، أو كالهرة تحمل صغارها من مكان لمكان تبحث لهم عن الأمان، من مدرسة لمدرسة حتى يطمئن قلبي أنهم في أيد أمينة! هل كل الأمهات يملكن القرار، ويملكن سلطة الانتقال ببناتهن من مدرسة تهان فيها كرامتهن إلى أخرى يجدن فيها الأمان؟! بالطبع لا، هذا ما أعطى القوة وعدم المبالاة لعدد من مسئولات المدارس غير المسئولات، لأن تستبد بالطالبات، لعلمها أنهن مكسورات الجناح، وظنا منها أنهن يدرسن ( بلاش) فهن مهدورات الكرامة ، ولا عزاء لهن، وأنها متفضلة عليهن بالتدريس والإشراف وكل الأعمال التي تقوم بها، مع أنها تأخذ « راتباً» لا تحلم به في أي مدرسة خاصة، لا تستطيع أن تعامل فيها الطالبات إلا بكل احترام! أسأل أي أمٍ عن مشاعرها إزاء ما حدث من عنف تجاه طالبات المدرسة 17 المتوسطة بمكة لن تقبل أي أم هذا الذي فعلته الوكيلة أو المسئولة بحقائب الطالبات، لماذا هذه القسوة، ماذا إذا خالفت الطالبة النظام، وأدخلت هاتفاً بالكاميرا ماهي المشكلة؟!! لم تعد الصور مشكلة فصور الفتيات على الفيس بوك، لماذا تنتهك حرية طالبة في المرحلة المتوسطة، في أوج إحساسها بكينونتها الأنثوية وهي في طور التفتح، لماذا تسحق بمزاج مسئولة أو حسب ثقافتها، وتريد منا الوقوف مع المؤسسة التعليمية التي لم تحترم حقوق الإنسان، ويجب أن تنال نصيبها من العقاب! أما تدخل الشرطة في قضية تربوية فأراه يزيد أعداد فتيات دار الرعاية الذين لا يعلم غير الله كيف هي أوضاعهن المعيشية والإنسانية، بعد أن مزقوا كل ممزق! متعلقات المرء الشخصية؛ جزء من كيانه، قطعة من شخصيته، إهانتها والعبث بها إهانة له وعبث بكرامته! ماذا لو أخذ أحدهم الصحيفة التي تكتب فيها وألقاها باستهانة؟! هل ستشعر هنا بالفرق بين الذات والموضوع، أم إن التماهي يحدث في لمح البصر، وتصبح القضية شخصية، والفعل إهانة للذات لا الموضوع! التماهي يتجلى بين الذات والموضوع عندما تتعرض موضوعاتك الخاصة للعبث أو الاستهانة تصبح القضية ذاتية شخصية سمها ما شئت لكنها لا تنفصل عن الكرامة الإنسانية! لا أقر فعل الطالبات، لكني ألتمس لهن العذر، فلا أحد يعلم عن أوضاعهن الأسرية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، ولا يمكن تجاهل المرحلة العمرية ، واضطرابات سن المراهقة التي تكون في أوجها في هذه المرحلة الدراسية. عندما كانت بناتي يدرسن في مدرسة بيتي الصغير وصاحبتها المربية القديرة عواطف مراد، كانت تشرح لنا كل عام في أول اجتماع خصائص العمر في تلك المرحلة، من الابتدائي حتى الثانوية العامة، ونحن كأمهات نتعرف على الخصائص الجسمانية والنفسية لبناتنا بالتفصيل، وبالتالي فإن المدرسة بكامل كوادرها على علم مسبق بكل هذا! تحدث د/ عبد الرحمن العرابي عن ( الكينونات المجتمعية الإجرامية ) ولا أرى وجه شبه، لكنه حر في رأيه وتوصيفه، ولولا أنه انتقد مخالفيه في الرأي حول ذات القضية، لما كانت هناك مشكلة، لكن المشكلة هي في تصعيد العقاب واستمراء العنف الموجه للطلبة والطالبات، وتبرئة المخطئ لأنه موظف أو مسئول وهذا هو الذي يؤلم!