الماضي الجميل، عبارة موجودة أتصور في كل لغات العالم، يبدو أن البكاء على الماضي سمة البشر، حين ينسون القسوة والمرارة، وتبقى فقط حلاوة الماضي، ينسون أيادي الأمهات التي كانت تتشقق من الغسيل قبل أن تأتي الغسالات وترحم أياديهن من دعك الثياب، ينسون الحر الذي يزرع الدمامل على أبدان الأطفال، والحياة بدون ماء بارد في عز الصيف . في الماضي لم يكن بإمكان أي كان أن يعرف إذا كان مخطئاً أم مصيباً في الطريق بضغطة زر على جوال صديقه .في الماضي كان السفر يعني عذاباً ولا معنى لكلمة سياحة أو متعة. في الماضي لم يكن هناك انترنت يسهل الوصول إلى المعلومة للطالب والباحث والمهتم .في الماضي لم يكن هناك كمبيوتر يجعل الكتابة سهلة ومريحة يمكنك بكل سهولة أن تصلح ما أخطأت بدون أثر أو إعادة. في الماضي كنا نضطر للذهاب إلى محلات تحميض الصور لإخراج أخص خصوصياتنا من فيلم الكاميرا الذي يطبعه عامل غريب عنا. في الماضي كنا نسمع الموسيقى في تسجيلات سيئة على شرائط الكاسيت والآن نسمعها نقية كأن العازف يعزفها على رؤوسنا من اسطوانات الليزر. في الماضي كان المريض ينوّم بعد العملية أياما طويلة قد تمتد لأسابيع، وصار المريض اليوم يخرج بعد العملية بأيام قليلة وربما في نفس اليوم. في الماضي لم يكن هناك أفران وطباخات أو مايكرويفات تجهز الطعام في ساعات قليلة. في الماضي لم يكن التلفزيون ينقل الأحداث المباشرة التي تجعلنا نتابع ما يحدث دقيقة بدقيقة على أي مكان في الأرض أو حتى السماء. والذين يغضبون من الايميلات ورسائل الجوال عليهم أن يتذكروا البديل، البريد العادي الذي كان يستغرق أسابيع وربما شهوراً إذا لم تضع الرسالة وحتى بدون أن نعلم. والذين كانوا يكتبون المقالات الصحفية يتذكرون كيف كانوا يكتبونها بخط اليد، ويرسلونها باليد إلى المطبعة، وعندما تطورت الأمور صاروا يرسلونها بالفاكس، الآن يكتبونها بالكمبيوتر ويرسلونها بالايميل من أي مكان في العالم بدلا من الحيرة حين يسافرون وتنقطع مقالاتهم. أما في أمور النفوس، فالنفوس هي النفوس، لا أعتقد أن الشر زاد في الناس أو أن الخير نقص، لابد أنه كان قليلا كما هو الآن، إلا أننا مع مرور الوقت ننسى الإساءات ونتذكر الماضي الجميل. [email protected]