قبل أن ينقض أحد على مقالي السابق عن الماضي الجميل والذي حاولت فيه أن أسخر من حنيننا الدائم إلى الماضي، سأفعل أنا بنفسي ذلك، وربما حتى قبل أن يمتعض الأستاذ علي الحسون الذي أقرأ له باستمتاع مقالاته عن ذكريات الزمن الجميل، بعد أن قرأت مقالي، الذي امتدح الراحة التي وهبتها لنا التكنولوجيا والتي لم تكن موجودة في الزمن الماضي، مر ببالي جميع الروايات القديمة التي قرأتها، روايات القرون الماضية، لم أتذكر عبارة تشكو من التعب أو القهر لأنهم يطبعون كتاباتهم على الآلة الطابعة أو يستخدمون القلم، ولم يشتكِ بطل رواية لأنه يركب الحصان ولا توجد وسيلة أسهل وأسرع للوصول إلى حيث يريد، كانت موضوعات الأدب تتحدث عن الحب والفراق وألم الغش والخداع، ومفارقات الحياة التي تأتي نتيجة التعامل بين البشر، أدركت وأنا أفكر أن استدلالي كان خطأ، خصوصا أنني أثناء وبعد كتابة المقال كنت أتابع آخر ما ستجره علينا التكنولوجيا من ويلات حيث قررت الهيئة أن تثبت علينا كاميراتها لتتأكد من حسن سيرنا وسلوكنا وإلا فالويل الشديد والجرجرة والفضائح لمن يخالف اجتهاد متابع الكاميرا في تلك اللحظة. تذكرت أيضا أن الانترنت لم يحمل لنا فقط غوغل الذي تعودت على القول كيف كنا نعيش بدونه، لكنه حمل أيضا غرف الشات والبالتوك والماسنجر الذي لا يستخدم كوسيلة اتصال بين الاصدقاء والمعارف كما أعتقد مخترعوهم، بل استخدم استخدامات تخطر ولا تخطر على بال بشر، وسقط فيه ضحايا أطفال وهو أحد الأمور التي تشغل بال العالم الغربي حيث يتم من خلاله استدراج القصر لأمور مشينة. تذكرت كم مرة اتصلت على صديقة لتقول لي إنها فقدت جميع الأرقام التي خزنتها في جوالها لعطل ما وبالتالي فقدت القدرة على تمييز الرقم الذي تود الرد عليه من الرقم الذي لا تود الرد عليه، وبالتالي تذكرت حين كان رنين الهاتف في البيت فرحة، والمتحدث ضيف حتى ولو عبر الأسلاك.. مع كل هذه التكنولوجيا التي ملأت حياتنا، صارت الحركة قليلة، وانتشرت أمراض السمنة والخمول، نتحدث كل يوم عن ارتفاع نسبة السكر والضغط بيننا، نتحدث عن ذلك بينما نكدس المأكولات في الثلاجات ونشاهد التلفزيون أو نجلس أمام الكمبيوتر بالساعات.. في الختام ما أردت أن اقوله منذ البداية أن التكنولوجيا لم تكن سببا في سعادة الإنسان، كانت سببا في رخائه ربما، في راحته وفي كسله ربما، لكنها لم تكن سببا في البهجة والسعادة .. أبدا [email protected]