بكل المعايير سيكون لخطاب أوباما القادم في القاهرة يوم 4 يونيو نكهة تاريخية. هناك الكثير من الرهانات والآمال والتوقعات... والمقامرات المرافقة للخطاب. جوهر مرافعة أوباما القاهرية يُتوقع أن يكون حول الصراع العربي الإسرائيلي وتسويته، أو موضعته على إطار تسوية شاملة وتاريخية ونهائية. في استطنبول وقبل عدة أسابيع وجه أوباما خطاباً إلى العالم الإسلامي حمل لغة جديدة وضمنه مقادير إحترام وتبجيل للإسلام والتاريخ والمساهمة الحضارية للمسلمين، مؤكدا أن الولاياتالمتحدة ليست عدوة للإسلام كدين أو للمسلمين كأتباع عقيدة. لكن ذلك الخطاب لم يتضمن "مشروعات" أو "خططا" لتسوية القضايا الأكثر سخونة مع العالم الإسلامي، وخاصة فلسطين. ما حققه أوباما حتى الآن على صعيد القضايا الكبرى التي دمرت العلاقات الأمريكية-الإسلامية مهم، رغم أن معظمه إن لم يكن كله يقع في دائرة الخطاب وليس الفعل. تحدث أوباما كثيرا وبفصاحة لا تستدعي المقارنة مع تلعثمات جورج بوش الابن اللغوية ومطباته المضحكة، عن نياته صوغ سياسات جديدة. الشيء المهم الذي قام به أوباما هو تنفيس الاحتقان الإقليمي والدولي والتخلي عن خطاب العجرفة والاستعلاء والأستذة على الآخرين مهما كانوا. شرق أوسطياً أعلن عن سقف زمني للاحتلال الأمريكي للعراق، وبدأ مباشرة بالإهتمام بملف القضية الفلسطينية ولم يؤجلها إلى الفترة الزمنية الثانية لولايته. قرار إغلاق جوانتانامو يرصد أيضا في سجل انجازاته. صحيح أن الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي اندلعت من الولاياتالمتحدة وبسببها استحوذت على وقته، لكن الصحيح أيضا، وشرقا أوسطيّاً، أن هناك مشروعية لكل التخوفات والتقديرات الحذرة إزاء ما يمكن لأوباما حقّاً أن يفعله. أكبر التخوفات تكمن في طبيعة الرؤية العامة للإدارة الجديدة إزاء القضية الفلسطينية، والتي من المفترض أن يكشف عنها خطاب القاهرة: هل ستكون في خلاصتها النهائية رؤية "إدارة للصراع"، أو "حلا للصراع". إلى هذه اللحظة هناك نوايا باتجاه الرؤية الثانية، لكن في نفس الوقت هناك إشارات متضاربة ومتناقضة، وإعادة إنتاج لسياسة "إدارة الصراع". إلى هذه اللحظة أيضا ليس هناك وضوح كامل بالنسبة للقضايا الكبرى التي تشكل جوهر الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي وخاصة الاستيطان، والقدس، وحق العودة. الإدارات الأمريكية السابقة لإدارة جورج بوش الابن كانت تعتبر الاستيطان "عقبة في وجه السلام"، وليس مشكلة ثانوية، أو الأسوأ من ذلك مباركته والمصادقة عليه وعلى "حق إسرائيل" ضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية. القدسالشرقية وبحسب قرارات مجلس الأمن التي صاغتها واشنطن في حقيقة الأمر محتلة وهي جزء من حدود 1967، وحتى حق العودة الذي يخيف إسرائيل فقد تضمنته بوضوح تام تلك القرارات. استراتيجية "حل الصراع" تتطلب حسماً أمريكيّاً إلى جانب تلك القرارات وإلى جانب تطبيقها، أما استراتيجية "إدارة الصراع" فتدور حول التهرب من استحقاقاتها والانشغال في البحث عن مسوغات جديدة لعدم تطبيقها، وهو الأمر الذي تم تجريبه خلال العقود الماضية وأنتج ما أنتج. من زاوية أخرى مختلفة تكمن المقامرات التي ينطوي عليها الخطاب المُنتظر في المُحددات التي تفرضها بشكل غير مباشر العاصمة المُضيفة. القاهرة هي حليف واشنطن وأحد أهم بواباتها للولوج إلى مسألة التسوية العربية مع إسرائيل، لأسباب معروفة. وهكذا يبدو خطاب أوباما القادم مقامرة من نوع خاص وهي محاولة تقديم معالم "صفقة شاملة" يتم من خلالها الشروع في تسوية حقيقية ودائمة في المنطقة. من المؤسف بطبيعة الحال فرض هذا الفصل التعسفي بين الملفين، وتأجيل أحدهما لحساب الآخر، أو على الأقل هذا ما يبدو حيث لا شهية مفتوحة عند الإدارة الحالية لفتح الملفين في آن معاً. والسؤال الصعب هنا، والحقيقي جداً إن لم نكن الأكثر احتمالية، هو ماذا سيحدث لو أن هذه المقايضة المُستبطنة فشلت، أي أن مشروع الحل الشامل (الإقليمي والذي يتضمن حل الأزمات مع إيران) لم ينجح. عندها لا نعود إلى المربع الأول فحسب، بل ربما تفتح الأبواب على مجاهيل جديدة كلها أسوأ من بعضها البعض. الشبيبة العمانية