ليست كل من يشرد ذهنه خلال حياته اليومية لا يهتم بنفسه أو بالآخرين وليست كل أحلام اليقظة كسلاً. كتبنا قبل سنوات قليلة مقالة عن عبقرية عالم الفيزياء والرياضيات والبصريات إسحاق نيوتن حيث سردنا أنه كان يستغرق في "أحلام اليقظة" مباشرة ساعة ما يستيقظ من نومه! كان نيوتن يفعل ذلك ربما لدقائق عدة وفقاً لما قرأته عن سيرته الذاتية كان النابغة نيوتن "يتسمر" جالساً على جانب سريره حيث تتدفق الأفكار الى ذهنه كما تتدفق مياه شلالات نياغارا ! ربما كانت أحلام يقظة العالم الانكليزي، غريب الأطوار، ومن احدى النوادر التاريخية ولكن بعد ما يقارب الثلاثمئة سنة من وفاة عالم الرياضيات والفيزياء المشهور اكتشف علماء من جامعة كولومبيا البريطانية (كندا) في شهر مايو الجاري، أننا كبشر، وعندما نستغرق أحياناً في أحلام اليقظة ربما نصبح أكثر مقدرة على حل مشكلاتنا المعقدة! الدراسة العلمية نشرت في العدد الأخير من مجلة "محاضر الأكاديمية الوطنية للعلوم." تذكر البر فسورة كالينا كريستوف، من قسم علم النفس، أن: "أحلام اليقظة عادة ما يتم النظر إليها بشكل سلبي وتتساوى في نظر البعض مع الكسل أو السهو ولكن الدراسة العلمية أثبتت أن أدمغتنا تنشط عندما نمارس أحلام اليقظة، بل أكثر نشاطاً من تركيزنا اليومي على الأعمال والواجبات الروتينية اليومية." إضافة إلى ذلك تشير نتائج الدراسة إلى أن مناطق معينة من الدماغ تنشط أثناء أحلام اليقظة أو عندما يشرد التفكير وتعمل أجزاء في مقدمة الدماغ (الناصية) تتعلق بحل المشكلات المعقدة (الطبقة الرمادية) خلال هذه الفترة من الشرود الذهني، إذا شئتم (12-5-2009). تذكرنا بعد قراءة الخبر العلمي المثير عن أحلام اليقظة ذلك التصوير النمطي للعلماء والمفكرين في الذهنية الشعبية العامة، وبأنهم يستغرقون في أفكارهم لدرجة عدم التركيز فيما يحدث حولهم. ربما تكون المبالغة في الشرود الذهني أو أحلام اليقظة دليلاً على عدم التركيز، ولكن في أحيان كثيرة يمكن أن تكون دلالات على أن الإنسان العادي يسعى إلى إيجاد حل لمشكلة معينة. ذلك بالطبع ينطبق على صغار السن كما على البالغين فالأطفال خصوصاً من يسرح ذهنهم في مراحل عمرية معينة ربما ليس من الضروري أن يكونوا غير مهتمين بما يجرى حولهم. على العكس، تثبت الدراسة العلمية الجديدة عن أحلام اليقظة والشرود الذهني أن تلك الظواهر تكشف أسراراً جديدة بشأن طرق عمل الدماغ البشري. ليس كل من يشرد ذهنه خلال حياته اليومية لا يهتم بنفسه أو بالآخرين، وليست كل أحلام اليقظة كسلاً وتخاذلاً عن اداء الواجبات أو المسؤوليات الفردية أو الأسرية أو الاجتماعية. يعرف الاكاديميون وخصوصاً اولئك المهتمين بالنشر العلمي أن الأفكار والاستنتاجات الذهنية حول موضوع ما تتطلب فترة زمنية معينة حتى يتم تداولها بشكل كامل في العقل الباطني. بعد ذلك أي بعد أن تتشكل وتتجمع أجزاء الأفكار المختلفة خلال أحلام اليقظة أو بعد "تخزينها" في احدى مناطق الدماغ البشري، تبرز علاقات وروابط مختلفة لم تكن واضحة في البداية. والله أعلم. السياسة الكويتية