طفت على السطح قضايا ابتزاز للفتيات وتهديدهن بصورهن، والأغلب أنها مأخوذة بالجوالات أو من الجوالات بالتحايل والخداع أو بالقرصنة من جانب بعض الشباب.. وهذه إحدى مشاكل التقنيات الحديثة في عالم الاتصالات التي لم نستعد لها.. وتداعينا لها ولموديلاتها الجديدة في أسواق الجوالات التي لا ينتهي الزحام عليها ليل نهار. نحن اليوم نشهد مثل هذا النوع من الجرائم الأخلاقية.. وعادة يعيش ضحاياها تحت ضغط نفسي هائل خشية افتضاح المستور. ومع أن هناك حالات واجهت مشكلاتها مع الابتزاز والمراودة بشجاعة وصارحت أهلها، وقامت بالتصرف الصحيح بإبلاغ الهيئة.. إلا أن الواقع أظنه لا يخلو من حالات أخرى تعيش دوامة قاتلة خشية من الأسرة والفضيحة، وفي هذه الحالة تحديدا تصمد من تصمد (إلى أن تجد حلا) ومن تضعف شجاعتها أمام ترويع من يراودها ابتزازا دون وازع من دين ولا خلاق له. هذه القضايا وغيرها تتعرض لها مجتمعات كثيرة وتزعجهم مثلنا، لكن الاختلاف في ردة الفعل وطريقة التعامل مع بين الوعي الأخلاقي والتشريع القانوني لعقوبات الابتزاز والتحرش وما يندرج تحت تلك الانحرافات الأخلاقية من جرائم. أما نحن فمشكلتنا مزدوجة بين طبيعة مجتمعنا المحافظ في عمومه، وفي نفس الوقت الأكثر استخداما لتقنيات الاتصال الحديثة.. وبالتالي لابد من حدوث انحرافات وسوء استخدام يصل حد الابتزاز الجنسي، وهذا ما يجب تجريمه وفق تشريع قانوني إضافي رادع وزاجر، يعزز العدالة. لكن تغليظ العقوبات وحده لا يكفي رغم أهمية التعجيل به.. فهناك دائما عنصر الوقاية والتحصين التربوي للجنسين، وتوعية الفتاة بأن تكون أكثر تعقلا وحصافة وحذرا والتزاما.. فهناك تصرفات أقل ما يمكن وصفها بأنها (لعب بالنار) ومعظم النار من مستصغر الشرر.. والتهاون باب واسع للشرور والندم وقت لا ينفع الندم ولا البكاء على اللبن المسكوب والسمعة المهدرة بسبب غفلة أو سوء تصرف. المفارقة في قضية كهذه أن بعض الصحف والمنتديات الإلكترونية ذهبت إلى حد اتهام الهيئة بالمبالغة وبتسريب أسرار حوادث ابتزاز كان الستر واجبا فيها حفاظا على سمعة من وقعت في شرك المخادعين المنحرفين.. فوجدنا أنفسنا أمام قضية أخرى تقول : هل يتم النشر لتوعية الأسر والبنات، وتحذير من تسول لهم أنفسهم التجرؤ بالابتزاز؟.. أم تظل الأخطاء مستورة حتى لا يظهر مجتمعنا ونساؤه وفتياته وكأنهن قاصرات، وأن شبابنا فيهم من يحمل صفات فصيلة الذئاب .. ومن ثم نخدش (خصوصية) صورتنا العامة؟. أعتقد أننا ظلمنا الخصوصية كثيرا عندما تصورنا أننا مجتمع مثالي لا يشهد انحرافات مثل كل البشر، بينما رياح التغيير سريعة وتأتينا من كل حدب وصوب وتجد صدى لدى شباب أولاد وبنات على السواء، حتى وإن كانت حالات فردية.. لكن الاعتراف بذلك وتشريحه هو أولى خطوات التحصين الأخلاقي والوعي والزجر. وأجزم أن أية فتاة وامرأة حسمت قناعاتها وتجنبت الانزلاق إلى ثغرات التقنيات الحديثة للاتصالات والتصوير والإنترنت واحتاطت من الغواية ومن تربصات هكرز الإنترنت والجوالات، وأخذ الحيطة عند صيانة هذه الأجهزة ستكون بإذن الله في مأمن على سمعتها وعرضها.. وهناك من لديها قناعة تامة بعدم استخدام الجوال أبو كاميرا من الأساس.. وهذا لا يعني اتهاما لمن وقعت ضحية الابتزاز وواجهته مع أسرتها أو من لا تزال تعاني ضغط الابتزاز السري، وتساوي بين خشية افتضاح أمرها،وبين التمادي قهرا في خطوات أبعد وأخطر مع عديمي الأخلاق والضمير. لدينا ثقافة خاطئة وهي التسامح مع الأولاد حتى منذ صغرهم والتغاضي عنها في شبابهم، بينما القسوة مع البنات منذ صغرهن وتضخيم أخطائهن ولو كانت صغيرة.. هذا جعل بعض الشباب يتجرأ بالكبائر لأنه يعرف حجم الضغط النفسي على الضحية أسريا واجتماعيا خشية خدش أو انكسار سمعتها، بينما لا يرى في أفعاله المشينة حرجا وقد يتباهى ويتماهى بها أمام أقرانه وشلة السوء، وهذه مصيبة. فيما البنت غالبا لا تستطيع الجهر بمشكلتها حتى للأقرب منها (الأم) حتى لا تكون في نظر أسرتها المتهم الأول في تلك الحفرة، وهذا خطأ وخلل تربوي خطير. فهناك ضحايا ابتزاز نتيجة خطأ غير مقصود من الفتاة.. وأعتقد أيضا أن هناك من يقودها الاستهتار أو الغواية إلى الفخ بكلام المعسول.. أما المبتزون فيفعلونه مع سبق الإصرار ثم الإكراه .. وبين هذا وذاك قاسم مشترك هو غياب التوجيه وغياب التربية على الفضيلة والتقوى، وضعف التوعية بمحاذير مهمة في استخدام الجوالات والإنترنت وهي سلاح ذو حدين. ومهما كانت حالات الابتزاز قليلة أو كثيرة.. لابد من تعزيز التشريعات القانونية بعقوبات رادعة .. ولابد من الاستعداد أكثر بالوعي لتغيرات أكبر سيشهدها المجتمع حتما مع سياق العصر.. وإذا لم نغير أنفسنا بتجاوز ادعاء المثالية والتصدي للأخطاء بشفافية وصراحة دون مبالغة أو تهوين، ستتحول الأخطاء إلى أخطار يصعب مواجهتها وعلاجها. * نقطة نظام: داوي جرحك لا يتسع [email protected]