في الوقت الذي تفرض فيه التحولات الدولية نمطاً جديداً من الطرح للقضايا المختلفة التي تستهدف حياة الشعوب فإنه لا يمكن لأي مجتمع أن ينجح في مواكبة هذه التحولات دون أن يدرك أهمية مبدأ العمل بحوار الحضارات في شكله ومضمونه وأبعاده الإنسانية والتنموية. خاصة بعد أن أكدت المرحلة التي يشهدها عالم اليوم حجم التأثر والتأثير والانعكاسات المباشرة على كل الأطراف الدولية سواء كانت الغنية منها أو الفقيرة. خاصة في جانبها الاقتصادي. وهو ما يتطلب مواجهة حقيقية تنطلق من وعي وثقافة كل مجتمع يختار إما التعامل مع هذه التحولات بخطاب متمكن يثبت من خلاله حضوره. أو آخر يجعله واقفاً داخل دائرة الانغلاق فيعيده إلى الخلف. غير ان الأخير سيجد أنه قد ترك إرثاً ثقيلاً لمجتمعه حين يكون التاريخ شاهداً على أسباب ضعفه وتخلفه.وعندها لن يكون هناك مجال للحاق بركب التقدم والبناء في مرحلة متأخرة بقدر ما يجد نفسه معزولاً يدفع ثمن إرث ثقافة التخلف والانغلاق وهو تجيير خطير ارتهن إلى ضحالة التفكير .والمفهوم الخطأ من منظور فلسفي تختلط فيه الممارسة الفردية والتقاليد الاجتماعية بالعقيدة لكل مجتمع يتم تصنيفه على أساس قناعات خارج أقواس الحقائق المطروحة والإصرار على رفض الآخر نتيجة لهذا التصنيف الخاضع لاجتهادات خطفت حقائق الأمور وأوقفت مسيرة التنمية وأعاقت ملاحقة ركب حضارة الأمم الأخرى. وعندها أيضاً تكون الأجيال التي حملت ذلك الإرث الثقيل قد خسرت ثقافتها العلمية وواجهت مشاكل اقتصادية نتيجة هذا التخلف والرفض دون مبررات حقيقية ومقنعة تجيب على أسئلته وسط دائرة الانغلاق. ومن هنا لابد من رؤية حقيقية أساسها الوعي بأهمية حوار الحضارات والتخلص من عقدة مفهوم التغريب في شكله السلبي الذي تفرضه ثقافة المؤامرة والمصادرة حين يتم توظيف الأشياء لما هو غير مألوف في المحيط الديني والاجتماعي. والأخذ بالبعد الحضاري بمفهومه الإيجابي الذي لا يعيق المجتمع عن ممارسة عقيدته وثوابته بقدر ما يعزز إيمانه أمام كل التحديات. ويمكنه من توطين مختلف مجالات العلوم واكتساب صناعة حياة منافسة في ظل عالم متشابك المصالح. ولعل الاتصال الثقافي وأكرر هنا بمفهومه الإيجابي هو من العوامل التي تدفع بآفاق المعرفة إلى الخروج من بوتقة الانعزال ومعرفة الآخر وأخذ ما لديه من تجارب مفيدة. خاصة أننا أمضينا وقتاً طويلاً في دائرة التنظير والاختلاف والنعت بالتغريب في صورته السلبية المقيتة .ولم نسأل أنفسنا كيف استطاع المستشرقون أن يشكلوا مصدراً هاماً لتاريخنا وحضارتنا دون أن يتهمهم أحد داخل مجتمعاتهم (بالتعريب) واعتباره خروجاً عن القيم الدينية والاجتماعية.