العنف الأسري.. العنف الاجتماعي .. العنف المدرسي .. العنف الوظيفي .. التحرش الجنسي .. ولا ندري ماذا بعد ذلك ، وأي نوع من العنف ننتظره وينتظرنا ، ولماذا كل هذا العنف . ومن كثرة ترديد مسميات العنف ومصطلحاته ، نبدو وكأننا تحولنا إلى مجتمع يقاتل بعضه بعضا ، بين الأزواج والجيران والطلاب وحتى من التربويين المفترض فيهم أن يكونوا أبعد ما يكونون عن مظاهر العنف ، إن لم يكن في شخصيتهم وطبيعتهم ، فمن أجل وظيفتهم . ومن العنف إلى مشكلات التحرش الجنسي تشعر بأننا بحاجة إلى وقفة ومراجعات تربوية واجتماعية واضحة وصريحة ، وحاجتنا إلى تشريعات جديدة محددة تتعامل مع كافة مظاهر العنف والخلل ومعاقبة المتسبب وتحمي الأسرة والمجتمع من ذلك . تقريبا قبل شهر اختتم المؤتمر العالمي الإقليمي الثالث لحماية الطفل أعماله في الرياض والذي رعاه خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ، وقدم المؤتمر توصيات عديدة ، ويحق لنا أن نسأل بعد مرور شهر : ما مصير تلك التوصيات ؟.. وهل أخذت طريقها إلى أبواب المدارس وفصولها ووجدت جدوى في عقول المعلمين والمعلمات والإدارات المدرسية ووصلت إلى عقول الأولاد والبنات الذين انتشرت بينهم المشاجرات ومعارك لفظية وألفاظ نابية وتشابك بالأيدي وبعضها بالسلاح الأبيض وغير الأبيض . وماذا أعدت وزارة الشؤون الاجتماعية إضافة إلى جهودها وما لديها في هذا الشأن .. ولن أسأل عن وسائل الإعلام من توصيات المؤتمر ومن قضايا العنف في عمومه غير نشر وإذاعة أخباره في حينها ، تجد في الجرائم الجديدة أخبارا لهم . وهل تنبهت مساجدنا والدعاة والقنوات الدينية إلى مثل تلك القضايا وطرحها بأسلوب مقنع ، لا مجرد ترديد نصوص من الآيات الكريمة والسنة المطهرة يعرفها كل واحد ويحفظها عن ظهر قلب ، لكن طبائعهم في وادٍ آخر . السؤال الأهم : أين هذه الأطراف والجهات المعنية من تحذيرات المراكز المتخصصة في الأمان الأسري ومن الدراسات ومن تقارير الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بشأن واقع العنف وكيف نساعد على فهم وتطبيق استراتيجية المكافحة بحملات توعية مستمرة وتحويل البرامج إلى خطط عمل حقيقية من كل الجهات . المشكلة الحقيقية تكمن في ثقافة العنف المنتشرة وممارستها كحق .. فكثير من الآباء يفعل ذلك تجاه أبنائه ، والأزواج تجاه زوجاتهم وأبسط شيء أمامهم الإيذاء النفسي ، وفي حالة الردع يعلو الصوت مهددا بالطلاق .. كذلك الكثير من الزوجات ، أبسط شيء إدمان افتعال المشاكل بلا عقل وعندما تشتعل نيران الغضب يسارعن بطلب الطلاق ، وقد تخمد النيران وقد تنتهي بقنبلة الطلاق . والأبناء في كثير من الأسر يعيشون رعبا ويتشربوا القسوة ، ويعتبرون أن هذا هو الزواج .. فهل يقتنعون أن الزواج مودة ورحمة كما علمنا ديننا ، وكيف تكون قناعاتهم بالمقررات والدروس وشرح المعلمة والمعلمة وحصص التربية الإسلامية عن ذلك . حرام كل هذا الضياع لقيم المودة والرحمة والتسامح واللين المحبة ، وعلينا أن نفتش في جذور مشاكلنا وليس في أعراضها بمجرد مسكنات وترضية خواطر ، والجذور في ثقافة الحوار والتنشئة على الكلمة الطيبة الكفيلة بامتصاص الغضب .. ولو ساد هذا الجو في الأسرة وفي المدرسة ونبذ التسلط من المعلمين والمعلمات ومنع الإيذاء النفسي والبدني نكون قد وضعنا بذرة التسامح . أما التحرش بمفهومه الأوسع من الجنسين فشأنه لا يقل خطورة ، وهو صنف من أصناف العنف والإيذاء .. وجيد أن نجد مبادرة مخلصة لطرح مشروع مكافحة التحرش للنقاش والمداولة في مجلس الشورى قبل رفعه لمجلس الوزراء ، ومع أنه تأجل من الدورة السابقة إلى الحالية التي بدأت مؤخرا لمزيد من النقاشات ، إلا أن الأمر لا يحتمل تأخيرا طويلا . المشروع الجديد قدم فكرته عضو مجلس الشورى الدكتور مازن بليلة وأعد مسودته مكتب المحامي فيصل أحمد زكي يماني ، وإذا ما خرج إلى النور وسيبشر كل من تسول له نفسه التحرش بأن العقوبة ستكون في انتظاره إن فعلها .. وستكون حسب فعلته المشينة ومنها السجن لمدة عام والغرامة مائة ألف ريال .. والعقوبة الأكثر إيلاما ستكون الفضيحة لأنه (متحرش) ولا ندري هل سيجد من يتعاطف معه لجمع مبلغ كهذا وسيصعب عليه أن يأتي بشهادة إعسار وإفلاس لأن فعلته لا تدعو للتعاطف. نقطة نظام : أول الغضب جنون .. وآخره ندم [email protected]