في ذلك الزمان القريب البعيد كان انتظار الحاج يشوبه نوع من "الفرح" حيث كانت "المناخة" في المدينةالمنورة تتحول إلى "مهرجان" من البهجة بتلك "العربات" والحافلات التي تقف فيها ليلتقي بها "أدلاء" بحجاجهم فترى هذا الدليل يمضي "بحجاجه" يسير أمامهم وهو يكاد يطير فرحًا وسرورًا بهم. أما حافلات الحجاج المصريين يعلن عنها صوت "زغاريد" النساء "المصريات" وهن يشاهدن المسجد النبوي الشريف. من شارع العينية وأمام باب السلام بتلك الروح الوثابة، وتنطلق ألسنتهم بالصلاة على حبيب الله. كان ذلك الزمن قبل أن يختفي نظام "التقارير" من التعامل به مسكون بملامح الود والترابط بين الحاج و "دليله" حيث كانت الرابطة أو العلاقة بينهما تتجاوز علاقة "حاج بدليل" يقوم "بتزويره" للمسجد النبوي الشريف وبقية المزارات في داخل وخارج المدينةالمنورة تلك المزارات التي غاب عنها الحاج والزائر هذه الأيام إلى علاقات أسرية أو تكاد تكون كذلك، لقد مضى ذلك "الزمان" وقَلَّتْ تلك العلاقة وأصبح الدليل لا يعرف الحاج، ولا الحاج يعرف دليله إنهما يتعاملان معًا بآلية "ميكانيكية" بعد تلك الحميمية التي كانت سائدة بينهما. لا زلت أذكر ذلك الحاج القادم من أقصى دول شرق آسيا وهو يقف أمام "دليله" بكثير من "المحبة" وفجأة "طفرت" عيناه بالدمع وهو يعانقه شاكرًا له بعد أن أدخل ابنته للمستشفى لإجراء عملية جراحية سريعة ومن حسابه الخاص لها تكللت بالنجاح. لقد "انفرط" ذلك العقد الذي كان يربطهما وتحول كل شيء إلى زمن مضى وانتهى فلم يعد أحد من "الأدلاء" يسافر إلى أماكن "حجاجه" لمزيد من "فتل" للعلاقة التي تكاد لا تنقطع طوال العام بعد أن كان يقضي معظم أيام العام يتنقل في مدنهم وقراهم وهو محل احترام وتقدير منهم له. كان نفس الحال بين المطوف في مكةالمكرمة والحاج فهذه علاقة بنيت على الحب والذوبان فيه. إنه الزمن الجميل الذي لا يُرى إلا كأنه "السراب" المؤلم شديد الإيلام.. لقد تحول "الحج" إلى مهمة تكتنفها كثير من الظروف بعد أن كان "حجًا" سهلا يجد فيه الكل المتعة والرخاء لا التحفز مع هذه الأعداد الكبيرة التي تأتي للحج ملبية ذلك النداء الخالد "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق". إنه الفرق بين زمن الارتخاء وزمن الرخاء.