الخاطبة.. تقليد موروث قديم في المجتمعات العربية والإسلامية ولكنه حديث في دخوله لمجتمعنا السعودي. ونحن لا نرى فيه اكتمال الصفات والمواصفات التي تجعلنا نقبل به ونُقدم عليه. لأن الخاطبة تهدف إلى المال بغض النظر عن التواؤم والتوافق والتكيف بين الزوجين إضافةً إلى أن ثقتنا بالخاطبة مهزوزة لأن هدفها ينحصر في الربح المادي بغض النظر عن الطبائع ومستوى الثقافة والمستوى الاجتماعي بين الزوجين. وتظل الفروق الفردية والاجتماعية والثقافية بين الزوجين في مستوى شاسع وتظهر بعد الزواج مباشرةً مما يؤدي بالزوجين إلى الانفصال في أغلب الأحيان. نحن كأُسر في السعودية لا نقبل بوظيفة الخاطبة ولا نثق في وجهة نظرها ونُرجع كل كلامها إلى هدفها الذي تسعى من أجله!. ونؤمن ونثق في قيام الأم أو الأخت والعمة والخالة بدور الخاطبة وهي بلا شك أقرب من الابن في معرفة متطلباته وما هي الفتاة التي تستطيع أن تتقبل صفاته وطبائعه وأخلاقه وتُراعي الأُسر المستوى الثقافي لابنها والمستوى الاجتماعي للفتاة. وبذلك نجد أن الزيجات التي تتدخل فيها الأم أو الأخُت أو الأسرة أبرك وأفضل بكثير من غيرها لأنها تراعي مزاج الابن ورغبة الفتاة وتختار له المرأة المناسبة له أو الزوج المناسب لها. فتُراعي عصبيته أو هدوءه أو حِراكه وتختار المرأة المناسبة لهذه الصفات. وأهم ما في هذه الخطبة الأسرية أن الثقة كبيرة ومعترفٌ بها من قبل الابن لأن الأم لا تختار لإبنها إلا المرأة الكاملة الأوصاف والأخلاق والجمال. وقد أُسيء لمهنة الخاطبة في وقتنا الحاضر وفي مجتمعنا السعودي باعتبارها تعمل على تقريب وتعريف الشاب بالشابة مقابل مبلغ من المال بقصد الزواج!؟ ولكن الشاب وهو يمثل الطرف الآخر يُظهر ما لا يُبطن. فهو في حقيقة الأمر وواجهته يقصد الزواج ويهدف إلى دخول البيوت من أبوابها؟ ومواجهة مخطوبته والتعرف على صفاتها وأخلاقها. ولكنه في داخل نفسه وسريرته هو يريد أن يتخذها صديقة وخليلة وحبيبة وليست زوجة بالمعنى الصحيح المتعارف عليه. فبمجرد التعرُّف عليها يرغب التحدث إليها من خلال التليفون أو التواصل معها من قبل الرسائل الالكترونية حتى يُعلقها بشخصه ويتمكن من اختراق عاداتها وتقاليدها والإطاحة بقيمها .. ثم مساومتها والاستبداد بها! فهو يدخل من الباب ويخرج من النافذة. وهذا المفهوم الذي استُغل أسوأ استغلال بواسطة الخاطبة جعل الكثيرين ينفرون من الخاطبة وينظرون إليها نظرة غير سويّة؟ ولا يعترفون بدورها ولا يقبلون نشاطها وأصبح دور الخاطبة قائم على الزيجات المتنوعة التي ظهرت في مجتمعنا السعودي اليوم والتي تخلو من المودة والرحمة والاستكانة وأعتقد شخصياً أن هذه في نظري هي مقومات الزواج الأساسية، وهذا الهدف السيء يزول بزوال المؤثر والرغبة التي جمعتهما مثل المسيار والمصياف والسياحة والأبيض إلى آخره. ويُقال أن أغلب عمل الخاطبات ينحصر في هذه الزيجات إضافةً إلى غيرها، فالزواج بمعناه المقدس في نظري لا يصل إلى ما وصل إليه اليوم من المساومة والبيع والشراء أو تحديد وقت معيّن فلا تحكمه مسئولية ولا القوامة. فالزواج في نظرنا كأُسر سعودية وكمجتمع هو أسمى وأكرم وأرفع من تداوله فيمن لا يقدرون ولا يصونون قداسته. فالهدف من الزواج هو المودة والرحمة والاستقرار وحفظ النسل والنوع. ويذكرني هذا بقول الجَدّ المرحوم الشيخ/ أحمد الغزاوي، عندما أردتُ الزواج. فقال: هذا شيء نباركه (ولكن حُط في اعتبارك أنك تُجوّد الماعون) وهذا يعني كما جاء في الحديث الشريف: ((تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس)) ويعني كذلك كما يقول المصريون: (على الأصل دوّر) فكم كان للزواج من قيمة وقداسة في حد ذاته وكان الزواج عند الأقدمين يُشكِّل ثمناً غالياً ومقدساً ورحماً موصولاً وفخراً منسوباً. ولكن للأسف اليوم انحطّ مفهومه وأصبح سلعة على لسان المتسلين والضائعين. فانعكس القول المأثور: (العروسة للعريس والجري للمتاعيس) ليصبح هذا القول: (المتعوس العروسة والعريس) ويصبح السعداء هم الساعون وراء المادة.