** في تلك الليلة الباذخة بذاخة تلك المدينة الساكنة في قلوب المحبين الباحثين عن هدوء النفس وطيب الحياة ورقة المعشر، كان بستان «الاخوين» خلف بقيع «الغرقد» لأصحابه آل الرفاعي - رحم الله المتوفين منهم ومتع الباقين بالصحة والسعادة - ملتقى الاحباب والخلان والاصدقاء. وكان ذلك الرجل بحميميته «الشامخة» يتحسس تلك الزهور وتلك الزروعات وكأن ارتباطاً متيناً بينه وبينها، فتراه يضع «مشلحه» تحت «ابطه» وينحني على تلك «شتلة الورد» او يقف طويلا امام تلك النخلة المحملة «بأقنية» الرطب ثم يأحذ طريقه الى ذلك المكان المؤثث بعناية تدل على ماضٍ من الزمان عريق. كان السيد ابراهيم حمزة رفاعي من اولئك الرجال المعتدين بأنفسهم دون جبروت كان يتمتع بروح «الفنان» الساكنة في داخله حتى لو بدا لمن لا يعرفه عكس ذلك. كانت تلك الليلة من الفرايد عندما التقى بفناننا الكبير سراج عمر فراح سراج يستمع الى ذلك العزف المغرق في الجودة بتلك المقامات الموسيقية وبالذات مقام «الجاركا» الذي يطلق عليه البعض بانه مقام يُحَضّرْ «الجن» وبتلك الحرفية الفنية في تحريك «الريشة» والضغط عليها دون انفعال او افتعال ليستمع الى تلك القصائد الموغلة في الفصحى لامرئ القيس ثم العروج الى قصائد محمد عبدالوهاب كيلوبترا، مجنون ليلى، جفنه علم الغزل، سكت ليه يالساني، ياورد من يشتريك ليعرج بنا الى قصائد أم كلثوم غلبت اصالح في روحي، شرف حبيب القلب، اصون كرامتي، وغيرها من الاغاني مثل سلو قلبي ورباعيات الخيام وولد الهدى. كان سراج يومها مندهشاً وحرك لديه هذا الزخم من العزف والغناء والاجادة حرك لديه كثيراً من التحدي، فأمسك بالعود برقته وحيائه المعروف لكن ما ان حرك ريشته حتى رأيت «السيد» يصب نظراته على حركة اصابع سراج على «رقبة العود» اعجاباً فراح سراج يمطرنا بأغانيه الموغلة في العذوبة مري علي قبل الرحيل، مقادير، انستنا، خذاك الموعد الثاني، مشت خطوتك لبعاد، ثم عرج على الاغنيات القديمة الشعبية اسمر سمير الروح ايش زعلك مني وغيرها من الفلكلور السعودي. ليلة يالخيزرانة كان سراج في تلك الليلة يذوب فناً وعذوبة. تذكرت كل ذلك وانا استلم مجموعة اغاني سراج المسجلة على «C D» حيث ابدع فيها وقد كان سراجاً لا ينطفئ ابداً بإذن الله.