.. كانت صنعاء مدينة كفتاة تغسل عيونها بعد ليل طويل هذه شوارعها بدأت الحركة تدب فيها وأنا أقف على شرفة فندق "الشيراتون" وهذا الفضاء الممتد أمامي، ألمح من على البعد ذلك الرجل العجوز الذي راح يتلفع "بشاله" الكشميري الذي بدا كأنه يرتديه للتو وهذه "الجنبية" المغروسة في خاصرته تلمع فصوصها المطرزة عليها كأنها تقول هذا شموخي.. كان صوت المذياع من داخل الغرفة يأتيني في ذلك الصباح حاملاً ذلك الصوت القديم : فر ياطير والحبل في ايدي مسكة الحبل مسكه قويه يا له من زمن كان " رائعاً " ذلك اليمني الذي كان يحمل على كتفيه ماتنوء بحمله العصبة ذوو القوة في ذلك المبنى الجميل في حي "الدرويشيه" بالمدينةالمنورة، تذكرته الآن وأنا ألمح هذا الرجل يخطو نحو مدخل الفندق لا أعرف لماذا تذكرته اللحظة، يمكن لتشابه التكوين الجسدي بينهما يمكن لملامحهما ، المتناسقة هكذا بدا لي من هذا الارتفاع. توقف أمام "حارس الامن" يا الله متى اصبحنا يقف امام فنادقنا رجال للامن يفتشون كل داخل إنه الزمن "الأغبر" الذي قتل فينا براءتنا وأمننا فأصبحنا أسارى لهذا التدقيق ولهذا الفحص والريبة إنه زمن الوحاشة والشك والإرهاب. لقد سرقت منا طمأنينتنا وسلامنا الذي كان يغمرنا من الداخل! هذا صوت الدكتور عبد العزيز المقالح ذلك الشاعر اليمني العتيق العتيد اسمعه وهو ينشد .. تقرأني أصابع الموتى تنتفض الغابة في شرايين التراب تلفظ القبور أهلها تصحو حجارة المدينة النعسى وتستفيق جدران البحار الظامئة تضحك أسناني تضحك نار الحزن أمضغُ الأحجار والأشجار باحثا في الماء عن وجهي عن وجه نهر الريح عن حروف القا..ت عن شجيرات الخيال، أين تختفي خيلي؟ إلى أن يقول: تذبحني سيوف الصمت تسقط الدماء في ظلي أخرج شاهرا حرفي ممتطيا صوتي، ارفعُ حزن الأرض عن صدري اصيح في موج الجموع انطلقي تألمي تكلمي تذبحني سيوف الصمت في الشفاه الصامتة