"خطاب النصر" الذي ألقاه خالد مشعل مساء الأربعاء، بعد ساعات من إكمال الجيش الإسرائيلي انسحابه من قطاع غزة، قال شيئاً واحداً: "نحن القيادة الفلسطينية الشرعية، وعلى الآخرين الالتحاق بنا". هؤلاء "الآخرون" تتصدرهم حركة فتح، وسلطة أبو مازن، أما مبرر مشعل فمفاده أن حماس هي التي تملك برنامجاً وطنياً للتحرير، فيما لا يملك "الآخرون" برنامجاً نظيراً، أو لا يريدون أن يملكوا لاكتفائهم بممارسة الفساد. هذا النهج، المدفوع بالسعي لاستثمار نجاح حماس في الصمود أمام العدوان الإسرائيلي على غزة، يعني بالضرورة أنه لا مصالحة بين فتح وحماس، ومن ثم لا وحدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، في المدى المنظور. ففتح لن تقبل التسليم بوجاهة برنامج حماس، وحماس التي تعد نفسها منتصرة على إسرائيل، في أول نصر يحققه الفلسطينيون على أرضهم بحسب تعبير مشعل، لن تقبل التسليم بقيادة فتح لمجمل الحركة الوطنية الفلسطينية من جديد.يزيد الأمر تعقيداً، تلك المداخلات العربية والإقليمية والدولية الرامية لدعم أحد طرفي الخلاف الفلسطيني، على حساب الطرف الآخر، من خلال أموال إعادة إعمار القطاع. في هذا الأمر يستوي الطرفان: فكما تريد دول عربية وغربية "تعزيز سلطة أبو مازن" من خلال إطلاق يدها في عملية الإعمار، فإن دولاً إقليمية أخرى تريد تشديد قبضة حماس على القطاع، من خلال أموال تُصرف بلا حساب، كي تبرهن حماس من خلالها لأهالي القطاع أنها الحامية لهم، الضامنة لكرامتهم.إذن، لا مصالحة، ولا "حكومة وحدة وطنية" ممكنة برغم كل هذا الكلام عن ضرورتها من قبل طرفي الخلاف الفلسطيني، والأمر منطقي، فالخلاف أكبر من حدود الحركة الوطنية الفلسطينية، لأنه في الحقيقة مرآة لصراع المحاور في المنطقة، تماماً كالحال في ما يسمى "المعادلة الداخلية اللبنانية"، وفي كل تباين بين السلطة والمعارضة في الدول العربية التي تعرف التباينات، فكيف للمصالحة الفلسطينية أن تتحقق، فيما صراع المحاور دائر على أشدّه، بالسياسة والمال والإعلام؟ هل ثمة بديل آخر في الأفق سوى المصالحة؟ اقترح مشعل مخرجاً لهذه الأزمة، حين طالب أهالي الضفة –ضمنياً- بالثورة على فتح، ومن ثم اعتماد حماس وبرنامجها المفترض، قيادة شرعية وحيدة للشعب الفلسطيني. يؤشر هذا على أن حل الأزمة الداخلية الفلسطينية، لن يتأتي إلا ب"كسر العظم"، المؤدي إلى تهميش أحد طرفي الخلاف لصالح الطرف المنافس، فالجسم الفلسطيني لا يحتمل، بعد، أن يعيش برأسين. معركة كسر العظم ستكون حامية الوطيس على ما يبدو، بخاصة إذا كان اهتمام أوباما بإيجاد حل سياسي لأزمة الشرق الأوسط المزمنة، حقيقياً، ويكافئ على أقل تقدير اهتمام الرئيس الأسبق كلينتون، فالتدخل الأميركي الدبلوماسي النشط، يحتاج "فتح" حاضرة، و"حماس" مهمشة، في وضع مناقض لما حققته حماس -موضوعياً- من مكاسب سياسية ملموسة إثر العدوان الإسرائيلي على غزة. وما يعزز فرضية "كسر العظم" هذه، أن قادة في "سلطة فتح" راحوا يتحدثون عن رؤاهم السياسية بثقة، خارج "منطق المقاومة" الذي تريد أن تفرضه حماس، وكأنهم يستبشرون بالدعم السياسي الذي تلقته السلطة ضمنياً من اتصال أوباما الهاتفي بمحمود عباس، في أول أيامه في البيت الأبيض. مما يثير السخرية أن حل "الصراع" الفلسطيني الفلسطيني، بات مقدمة ضرورية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، سواء كان السعي لحل هذا الصراع الأخير سيتأتى من خلال المفاوضات والوساطة الأميركية كما تريد فتح، أو من خلال نهج المقاومة كما تبشر حماس. هذا، أيضاً، يؤكد أن المصالحة الفلسطينية لم تعد ممكنة، و"الوحدة الوطنية" بين فتح وحماس لم تعد متاحة، وأن على أحد طرفي الخلاف حزم حقائبه استعداداً لمغادرة قيادة العمل الوطني الفلسطيني. *نقلا عن جريدة "الغد" الأردنية