أعلنت وزارة الصحة عن مشروعها لتطوير الرعاية الصحية الأولية من خلال مراكز طب الأسرة والمجتمع التي سيزيد عددها عن ألفي مركز.. وحسب تصريح معالي الوزير الدكتور حمد المانع ستتوزع بشكل عادل على المناطق تحت شعار "طبيب لكل أسرة". وسواء كان "طبيب لكل أسرة" شعاراً حقيقياً أو دلالياً، لابد وأن نرحب بمشروع بهذا الحجم وأهدافه، وقد حرصت على متابعته.. ولكن تعليقات كثيرة لفتت الانتباه ما بين مرحب بالمشروع وبين معاتب وناقد وأحيانا ناقم في نفسه شيء، ولابد أن الوزارة سمعته وقرأته بطريقتها. البعض قال أن مسمى " مركز الرعاية الصحية " أشمل من تسميته بمركز طب الأسرة أو (طبيب لكل أسرة) والذي يذكرنا بحلم خيالي عن (مسكن لكل أسرة).. وآخرون اعترضوا على التعاقد مع عدد كبير من الأطباء العرب، وقالوا : إن كان ولابد فالأفضل من الاستقدام من روسيا وما جاورها من دول الثلج، ولا أدري لماذا؟! : هل لنجاحهم في طب الأسرة.. أم لرخص التكاليف في حال افترضنا استبعاد الأطباء العرب الذين نفهمهم ويفهموننا ويستوعبون حياة البادية والقرى. مثل تلك الدعوات تذكرنا بمن يطالب بفتح باب الاستقدام لخادمات ومربيات من تلك الدول. فهل هو بطر على (سحنات) الإندونيسيات والفلبينيات والحبشيات وقائمة جنوب شرق آسيا ؟.. أعتقد في مثل هذه الحالة أن من حق المرأة السعودية أن تبدي رأيها في مبدأ استقدام شقراوات، والأفضل اشتراط موافقة الزوجات أولا إذا ما أتيح الاستقدام. نترك موضوع الخادمات بعد الاستدلال على توجهات بوصلة مجتمعنا إلى أين. ونكمل موضوع طبيب الأسرة، وأرى أنه ضرورة لسهولة رصد الخارطة المرضية للمجتمع والتاريخ المرضي للأسرة وغير ذلك مما سبق وأشار المسئولون إليه.. ومع أن الوزارة بدأت أولى خطواته بدعم كبير من الدولة، وتكمل استعدادها لتنفيذه ميدانيا، فإن التحدي المزمن الذي يختبر وزاراتنا وأجهزتها هو عدم إكمال الطريق إلى نهايته، وهو ما لا نتمناه. أيضا أعتقد أنه خطوة في الاتجاه الصحيح ستغير ما اعتادت عليه الوزارة ومستشفياتها بأن المريض هو الذي يأتيها حتماً صاغراً، وهذه قصة أخرى لأنه كان يضطر إلى المستشفيات الحكومية المجانية وما تعانيه من زحام وفي بعضها إهمال وضعف إمكانات. هذا يأخذنا إلى نقطة أخرى وهي تسابق المستشفيات الحكومية إلى عالم (البزنس) بنظام العلاج المدفوع، وهذا في رأيي أوجد تفرقة بين مواطن وآخر في العلاج، فالمقتدر سيتعالج أينما يجد العلاج الأفضل والأسرع والرعاية الخاصة بالوجوه الهاشة الباشة والسرير الأبيض المتوفر في أي لحظة وأجواء فندقية وأجنحة للمريض ومرافقيه حسب المستوى الذي يطلبه، بينما كثير من (أبو بلاش) في قائمة انتظار طويلة للكشف أو لعملية داخل نفس المستشفى الحكومي. فهل ميزة القادرين أنهم أغنياء، وهل ذنب غيرهم أنهم فقراء.. أليس من الأجدى التركيز على حق هؤلاء في عناية تليق بهم وتوفير أسرّة كافية، بدعم إمكانات المستشفيات القائمة ورفع كفاءتها ومستوى نظافتها.. والرقابة المستمرة عليها لضمان الجودة، وهي الأساس في الخدمة العلاجية التي تقاس بتوفرها للجميع وليس فقط لمن يمتلك المال. ومن القضايا الخطيرة الترهل الإداري والتسيب في بعض القطاعات الصحية وربما فساد..ويكفي أن جولاتكم المفاجئة يا معالي الوزير وعدد من مديري الشؤون الصحية بالمناطق والمحافظات كشفت حالات من هذا القبيل وعوقب من يستحق العقاب وهذا ما نريد استمراره.. فمن أمن العقوبة أساء العمل والتعامل وتهاون في العمل.. ومن شأن الرقابة والمتابعة والمحاسبة على كافة المستويات استئصال الإهمال والأخطاء والاستهتار بحق المرضى البسطاء وبدرجة أكبر في أطراف المراكز والمحافظات. نتمنى أيضا استمرار حملات التبرع بالأعضاء والتبرع بالدم والتوعية بها وتوفير بنوك الدم والرقابة المشددة عليها حكومية وأهلية في عصر التجارة المفتوحة وفضائحها في العالم. فالمجتمع كاد أن ينسى ذلك، وليت الوزارة تحيي شعار حملتها وتذكّر عباد الله بالآية الكريمة :"ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا". لقد صفقنا لخطة وآلية تخفيض أسعار عدد كبير من الأدوية رحمة بالمرضى، ومنهم من لا يعرف شيئاً عن حكاية هبوط الدولار وشموخ اليورو ولا علاقة لهم بما يسمعونه من الصيدلي وتحليلات وتبريرات المستوردون والمنتجون المحليون، وإنما يهمهم فقط ثمن الدواء الذي يتحملون ثمنه لأمراضهم المزمنة، وقد نجحت الوزارة بجدارة في حسم هذا الأمر. أختم هنا بما تبقى حول مشروع طب الأسرة، حيث سيوفر فرص العمل تباعا لآلاف الكوادر الصحية السعودية من أطباء وفنيين وتمريض وتأهيل 4500 مثقف صحي (بكسر القاف).. ولكن هل تكفيهم دورات تأهيلية سريعة أم لابد من التعاون مع الجامعات والتعليم العالي والكليات الصحية للتوسع في هذا التخصص العلمي، فقد يتوفر كل شيء، لكن إذا غاب الوعي فلن تخطو مشاريعنا وطموحاتنا خطوة للأمام، ومعظم المشكلات الصحية إنما هي من غياب الوعي الصحي. نقطة نظام: البيت الذي لا يفتح للفقير، يفتح للطبيب. [email protected]