لابد لنا الوقوف احتراما لهذه الشريحة الأكثر أهمية في كل المجتمعات الحضارية من المعلمين والمعلمات التي قدمت الكثير من أجل الوطن لمواصلة عطائهم متجاوزين كل الصعوبات التي تعيق أداء رسالتهم ، فإن استمتعوا بإجازتهم السنوية وتخللها إجازة رمضان وعيد الفطر طالتهم شماتة الحساد ، وإن ابتسمت لهم الأيام ذات مرة تكالبت عليهم الظروف والقائمة تطول وأحاديث المجالس لا ترحم ، حتى وإن كانوا من قبل زملائهم ورفاق دربهم التي كانت تربطهم بهم صدقات العُمر ، فمنذ تقاعدهم تناسوا أولئك الرفاق وانغمسوا في حياتهم الجديدة بشتى أطيافها المادية والترفيهية والعملية في صور مغايرة تماما لما كانوا عليه من راحة بال ، وانخرط بعضهم حتى النخاع تعويضا عن سنوات مضت جريا وراء حفنة من المكاسب المادية أنستهم ما كانوا عليه بالأمس القريب ، هؤلاء الذين حصلوا على بعض فتات النجاح الشخصي مع قلتهم كمجموعات بسيطة قياسا على الأعداد الكبيرة التي فضلت الرحيل المبكر لتحجز على أول رحلة لقطار التقاعد بدرجته العادية باعتبار أن جميع الدرجات بما فيها السياحية مسبوقة الحجز لفئة VIP دون الرجوع للمكانة التربوية والدرجات العلمية وسنوات الخبرة ومشوار التضحيات الجسام ، إضافة لضعف الرواتب التقاعدية مقابل ارتفاع الحياة المعيشية و إيجارات السكن وعلاج أفراد العائلة في العيادات الخاصة التي استنزفت جيوبهم هربا من مواعيد المستشفيات الحكومية التي تصل في بعض الأحيان لأربعة أشهر عطفا على تدني خدماتها الطبية ، و مع صعوبة تكاليف الحياة المادية عالميا والطلبات المتتالية والمتسارعة التي تجبرهم لإحضار مستلزمات الأسرة اليومية في ظل موجة الغلاء التي داهمت الأسواق ووقفت عائقا أمام حصولهم على حقوقهم الأساسية التي لا يمكنهم العيش بدونها حتى مع ربط الأحزمة والتعود على حياة الكفاف ، فمهما كانت وسائل القناعات التي يمتلكها الآباء أمام أبنائهم إلاّ أنها كثيرا ما تتعثر وتواجه باحتجاجات وآراء مضادة حسب آخر صيحات الديمقراطية ومبادئ المساواة التي تفرضها أساليب الحوارات العائلية ، هذا إذا استثنينا العائلات الممتدة وآراء علماء الاجتماع وتحذيراتهم المتكررة منذ زمن مبكر والاكتفاء بأيسر الاختيارات في آداب التعدد ، بعد هيمنة الحياة المادية على النظام الاجتماعي وتكاليفه الباهظة وهي وقفة للمتأمل قبل الإقدام على أي خطوة غير محسوبة ، وهنا تذكرت خبر نشرته إحدى الصحف المحلية مفاده مكافأة مدير مدرسة بعد تقاعده من قبل زملائه ومحبيه بالزواج من عروس في عقدها الثاني بينما هو تخطى عقده السادس متجاوزا الخطوط الحمراء بقبول مبدأ التكريم بهذا الزواج حسب تصنيفات " الكفة الواحدة " فبينه وبين عروسته الأربعة عقود زمنية فهذه الزيجة بحكم المنطق غير عادلة تماما ، مهما كانت الأسباب التي أجبرت الفتاة على قبول زوج في عمر جدّها ، ولست في موقف الدفاع والتطرق لبعض الشرائح القليلة ممن يمتلكون ثروات طائلة دون الاعتماد على مرتباتهم الوظيفية ، فما أقصده هو معظم هذه الشرائح التي تقترب من المليون من المعلمين والمعلمات والإداريين والإداريات الذين ينتمون لأكبر وأهم مؤسسة مدنية بالدولة وهي " وزارة التربية والتعليم " والسؤال الذي يدور في أذهان الجميع ما الذي قدمناه لهؤلاء " صناع مستقبل الوطن " للوفاء بالتزاماتهم الأسرية دون الاستطراد لأحلام وآمال القليل منهم لتحسين مستوياتهم المعيشية ، ولابد أن نقدر لمعالي وزير التربية والتعليم الدكتور عبدالله صالح العبيد وأركان وزارته الجهود الصادقة للنهوض بكل ما يعزز الدور التربوي وتحقيق أهداف رسالتهم العظيمة ، فأي منجزات حضارية وتنموية لأي مجتمع لابد أن تمر من أكبر بوابة لهذه الوزارة الشامخة ، ويكفي قياداتها فخرا أنهم أعادوا لها مكانتها وقيمها الرفيعة ولست مجاملا هنا لأنه كان لي شرف المداخلات والمشاركات في ورش عمل تربوية ، وأتفق مع كل من يربطه الانتماء إليها ويتحمل مسؤولية هذه الأعباء الجسيمة والحمل الثقيل الذي تقوم به ، ومع الشفافية ووضوح الرؤى وإعطاء القيادات التربوية حقها من المكانة والثقة إضافة لسياسة النفس الطويل الذي تنتهجه في سياستها الحالية لاشك أن القادم سيضمن لمنسوبيها وكوادرها الكثير من المنجزات وتحقيق آمال قيادتنا السعودية بنتائج ستكون أكثر تميزا مما مضى ، متى ما توفرت لفريق الميدان التربوي " من التربويين والتربويات " بادرة عاجلة تعالج سلبيات الماضي وتتفهم احتياجاتهم التي قضى معظمهم زهرة شبابهم من المعلمين والمعلمات في ظروف كان الملتزم منهم بأمانته وأداء رسالته يُعد عملة نادرة لتواكب عصرها وتراعي تحفيزهم معنويا وماديا فهم الأجدر بالتكريم الحقيقي ويتطلعون للأفضل في ظل لائحة أو كادر جديد بديلا للكادر الحالي الذي مضى عليه أكثر من ثلاثين عاما ليتوافق مع إمكانيات الحاضر وتكاليف الحياة . mu 7 mad@ hotmail . com