مات القيثارة والقصيدة ..ولم تمت القضية ..مات منظومة ابن الوطن الفلسطيني ووقود حرمانه ..أجبر على مغادرة الدنيا قبل أن يرى الوطن وقد لحم جراحه ..وإذا كان مات " محمود درويش " الشخص فإن الشخصية لن تموت وستظل مقاطع قصائده عزاء لنا ولفلسطين وللأمة العربية كلها ..محمود درويش لم يكن شاعراً فقط بل كان ملحمة داخل كينونة اللغة العربية ..لم يكن يعشق الرحيل كما يقولون عنه ولكنه كان يركب القصيدة ليسافر بها إلى واقع اجتره ا لزمان والمكان .. ترجمت قصائده إلى 22 لغة عالمية وكانت دواوينه يتداولها المثقفون على مقاهي حي " مونبارس " والحي اللاتيني في قلب العاصمة الفرنسية " باريس " ويدور حولها الجدل يدور حول عبقرية تجسيد الجرح العربي والفلسطيني في قصائده .. وفي الذكرى الستين للنكبة انتابه شعور غريب بأن الموت قريب وكتب آخر نصوصه على محطة " قطار سقط عن الخريطة " واختتمها " بكل ما في الأمر أني لا أصدق غير حدسي للبراهين الحوار المستحيل لقصة التكوين تأويل الفلاسفة الطويل ..لفكرتي عن عالمي خلل يسببه الرحيل الرحيل لجرحي الأبدي محكمة بلا قاصد حيادي يقول لي القضاة المنهكون من الحقيقة : كل ما في الأمر أن حوادث الطرقات أمر شائع ..سقط القطار عن الخريطة واحترقت بجمرة الماضي ..وهذا لم يكن غرواً ولكن أقول : وكل ما في الأمر أني لا أصدق غير حدسي لم أزل حياً ..". كلمات تعبر عن إنسان أنهكه المشوار فقد كان رحمه الله حالة مستمرة من السفر ففي أحد مقاطعه يقول أحب السفر ..أحب الرحيل ..ولكن لا أحب الوصول . وفاة محمود درويش اليوم ذكرتني برحيل فارس القصيدة العربي نزار قباني فكلاهما ساهما في تطوير الشعر العربي الحديث واستخدما الرمزية كأداة لصناعة القصيدة والتعبير وامتزج عند كليهما الحب والعشق بالأرض والوطن ..وعزاؤنا أن الشخصية لا تموت .