زواج المسيار تحدثت عنه في مقال سابق ، بحسبان أن هذا الزواج لا يحقق كثيراً من الأهداف التي تنهض بها مبادئ المودة والرحمة التي هي من أهم مقاصد الزواج المعروف القائم على فتح بيت يقيم فيه الزوج والزوجة ليكونا نواة ونبتة طيبة توفر الأساس الذي تتشكل منه الأسرة من بنين وبنات وأحفاد تحت سقف واحد وفي محيط أسري واحد تتآلف به القلوب وتجتمع حوله الأفئدة ويكون سكناً تهفو إليه النفوس وتطمئن به القلوب . وبالنظر إلى المقاصد من زواج المسيار فإنه يتبين منها أنها لا توفر أكثر من أمر واحد وهو الوطء بطريقة مشروعة وحسب، فلا أسرة مستقرة ولا بيت معروف ومعلن بين الأهل والأقارب، وقد يخلف بعده من المشاكل ما لا يعلمه إلا الله وحده. وبعضهم يشترط على الزوجة عدم الإنجاب فيرتكب بذلك محظوراً شرعياً. تابعت ندوة تليفزيونية ناقشت موضوع زواج المسيار، وكانت النساء المشاركات في الندوة في غاية الغضب والامتعاض والاعتراض على زواج المسيار، وارتأت بعضهن أن المرأة من خلاله عادت إلى عهد الرقيق والإماء، يقضي الرجل وطره ويدعها تواجه الحياة بمعرفتها ولوحدها، بل تعدى بإحداهن الغضب إلا أن توصف هذا الزواج بالدعارة المقننة ؟! وهو ولئن كان هذا الوصف بعيداً عن الحق والواقع ، إلا أن حماسها الشديد ورفضها الأكيد لهذا النوع من الزواج كان يدفعها إلى مثل هذا القول، وهو قول في جوهره يعبر عن استياء واضح وينم عن رفض غالبية النساء لمثل هذا الزواج الجديد في مظهره وهدفه ونتائجه. صحيح أن هناك حالات نادرة جداً قد يكون هذا الزواج هو الخيار المتاح لها ولكنها كما قلنا حالات نادرة ، فلا يلجأ إلى مثل هذه الزواج إلا حينما تتعذر العوامل التي يمكن من خلالها قيام أسرة في بيت واحد، والتوسع فيه يفتح باب المحظور فيكون ذريعة لمفاسد الله وحده يعلم بها . إن رفض هذا النوع من الزواج ليس لمجرد ما يعتريه من محظورات وما يترتب عليه من نتائج وحسب، بل لأنه مرفوض لما يعتري العلاقات بين الزوج والزوجة الأولى من غش وخداع فتعيش معه في وهمٍ قد يتكشف مستقبلاً فيهدم العلاقات التي بينهم بعد أن تعرف بأنه قد تزوج عليها في السرِّ. أخبرني صديق أنه سأل أم أولاده وطلب منها إجابة محددة وصريحة ، حينما يعزم على زواج من امرأة ثانية فأيهما تفضل أن يكون زواج مسياراً أو فرند أو زواجاً معلناً وبيت مستقل معروف ومبيت للمرأة الأخرى ؟! فأخبرته زوجته : إنه من حيث المبدأ فإنها لا تحبذ التعدد، وتتمنى أن تموت دون أن ترى في بيتها أو معها ضرة تشاركها قلب وحب زوجها .. ولكن إذا كان الأمر ولا بد من زواج من الثانية، وأصرّ الزوج على ذلك فإنها تفضل زواجه من امرأة تعلم عنها وتعرف حقيقة زواجه منها، وتدرك كيفية تعامله معها، فلا تعيش معه مخدوعة، يظهر لها كل يوم وكل لحظة غير ما يخفيه، فيظهر لها الإخلاص والتفاني في حبها وأنها الحبيبة ولا سواها في حياتها، وهو يخفي في نفسه خلاف ذلك، مع أنها تحمل همومه وتشاركه الأفراح والأتراح، وتتفانى في خدمته، وتحاول كسب رضاه، وتعمل بكل ما تجد في سبيل توفير مدخراته لتكون معينة لهم في قابل الأيام، يمرض فتشعر أنها هي المريضة، وتعيش كل هذا وهي لا تعلم أن في حياته امرأة أخرى، وفوق ذلك كله، فلو قدّر الله تعالى وسبق الأجل وكانت هذه الزوجة الأولى في غاية الحزن والألم لفراقه تستعيد الأيام حلوها ومرّها معه، وفي شدة الحزن والكمد فإذا هذه المرأة زوجة المسيار تظهر في حياتها، وقد يكون لديها أولاد، فعندئذ تكون الصدمة أكبر من صدمة وفاة الزوج، لأنها تموت في كل يوم وتحس أنها عاشت معه مخدوعة، وهو يغشها ويخدعها طوال حياتها، بينما إذا تزوج الزوج زواجاً عادياً وعرف الجميع به فإنها تقدر فيه شجاعته وصراحته، ثم أنه أبلغها بقصده وكان معها واضحاً، وربما تمر الأيام بعد زواجه من الثانية ويثبت خلالها محبته لها وإخلاصه لها وإن الزواج من الثانية لم يغير من تعامله معها شيئاً. لقد سمعنا بعد أن قام بعض أفراد المجتمع بتجربة زواج المسيار سمعنا قصصاً يندى لها الجبين وتقشعر منها الأبدان، بل أنه لوثبت صحة بعض تلك الوقائع فإنها كافية لمنع زواج المسيار وعدم السماح بأي عقد من هذا النوع من الزواج. سداً لباب الذرائع ولما يترتب عليه من فواجع أخلاقية وأسرية، فهناك حالات تتعلق بإنكار النسب، وهناك حالات يعف القلم عن ذكرها، وهناك حالات اتضح فيها الأمر أنه لا يعدو عن نزوة يمارسها الذواقون والذواقات، ثم يكون بعدها الطلاق، للدخول في تجربة أخرى وهكذا. وبعضهم حجته في ذلك أن تكاليف هذا الزواج قد تقل أحياناً عن تكلفة سفرة سياحية للخارج، فما المانع من ممارسة مثل هذا الزواج مرة بعد مرة؟ وهكذا أصبح مفهوم زواج المسيار، فانحدر بأهدافه ومقاصده إن كان له أهداف ومقاصد من معالجة حالة معينة استدعت الضرورة فيها اللجوء إلى هذا النوع من الزواج انحدر إلى بؤرة للتجارب والنزوات والتحايل لإشباع الرغبات . إن النتائج المتوقعة من أي سلوك اجتماعي يخرج عن الإطار الذي رسمه الشرع وندب إليه، ورغب فيه وسار عليه رسولنا الكريم وصحابته والتابعون من بعده هي نتائج سلبية وضارة في الحال والمآل. وحينما ندب الشرع إلى إعلان الزواج وشرع للزوجة البيت والسكن والمأكل والمشرب والملبس إنما كان لغاية كبيرة ومقاصد عظيمة أكبر من التقاء جسد بجسد لقضاء الوطر تحت مظلة عقد زواج لا يستهدف بناء أسرة وفتح بيت تسوده المودة والرحمة. فهل فكّر كل من أراد أن يخوض تجربة المسيار في العواقب والنتائج والآثار قبل الدخول في هذا المضمار آمل ذلك ؟! اللهم اغننا بحلالك عن حرامك ، وبفضلك عمن سواك . [COLOR=blue]شهوان بن عبد الرحمن الزهراني ص . ب 9299 جدة 21413 - فاكس : 6537872 [email protected][/COLOR ]