للإنسان ميول وعواطف وأهواء تحول بينه وبين الخضوع لأوامر هذا الإلزام الأخلاقي ولكن تصوره لفكرة يؤمن بها قد تحول بينه وبين القيام بما يناقض بعض التصرفات الصادرة منه وتصوره العقلي للأخلاق الفاضلة هو الذي يحفزه إلى الانتصار على أهوائه وغرائزه بجانب التحكم في أفعاله وعواطفه فنحن لا نؤدي أي واجب بطريقة عشوائية لأن السلوك الخلقي العام يصدر عنا بجانب اصطدامنا بعوائق تجعل من هذا السلوك ضرباً للصراع. علينا أن نحقق في أفعالنا وأن نوجهها التوجيه السليم احتراماً لذوات غيرنا واحتراماً لذاتيتنا. ولكن قبل هذا أن نكون على علم بما نقوم به على أن ننظر إلى نقائضنا ومظاهر ضعفنا قبل الخوض في نقائض وضعف الغير فتصورنا لذلك يشعرنا بضآلة شأننا على العكس من ذلك إذا مانظرنا إلى داخل أنفسنا وقوَّمنا عيوبنا فإننا عندئذ نشعر بعظمتنا وعلو شأننا .. وليس ذلك باعثاً إلى الضعف بل هو صميم الإرادة الذاتية بوصفه ناشئاً عن الطبيعة العقلية المتفتحة في الذات السليمة المتجردة من العاطفة أوالوجدان وذلك باتباع الوسائل اللازمة لبلوغ الغايات الكريمة في تقويم الذات دون قيد أو شرط أو إلزام ضروري. والأخلاق لاتفرض على الإنسان بطريقة حتمية بل هي تتمثل في تلك القواعد الاجتماعية التي قد يقبلها أو يرفضها الإنسان فأنت كراعٍ لأسرتك تستطيع أن تفرض على مجموعة أطفالك نظاماً أخلاقياً صارماً يتمثل في التهديد والوعيد ولكن ينتج عن ذلك ومع مرور الوقت داخل أنفسهم مشاعر الخوف والتمرد والنفاق والرهبة. لأن الطفل حين يجد نفسه في ظل مثل هذه التربية فإنه لا يلتزم إطلاقاً بأي التزام أخلاقي والعكس إذا ما وهبت لهم الثقة التي تقوم أساساً على الحق المشروع في التوجيه ومخاطبتهم بقدر عقولهم عندئذ تتولد فيهم عناصر الحب والخير والجمال ولاشك أن الصلة وثيقة بين إحساس المرء بواجبه وشعوره بأنه شخص جدير بالاحترام. ص.ب 52986 جدة 21573