من المكارم العظيمة والفضائل الجسيمة التي دعا إليها الإسلام، وثبَّتها المجتمع الإسلامي، وترسخت معالمها في وطننا الغالي: مراعاة قدر كبار السن، والبر بهم والإحسان إليهم، ورعاية حقوقهم، والقيام بواجباتهم، وتعاهد مشكلاتهم، والسعي في إزالة المكدرات والهموم والأحزان عن قلوبهم، فهم نبع الحكمة والخبرة للأجيال الناشئة. إن تلك المعاني الجميلة رعاها ديننا الإسلامي الحنيف، وحث عليها، وجعلها من أعظم أسباب حصول التيسير والبركة في حياة العبد. ولأجل مكانتها الرفيعة المرموقة في الإسلام جاءت أحاديث كثيرة متضافرة في ترسيخ مفهوم كون الخير والبركة مع أكابر السن، وأن المؤمن لا يزداد عمره إلا كان خيرًا له للظفر بقسط وفير من الطاعات. فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يتمنى أحدُكم الموتَ، ولا يدعو به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمنَ عمرُه إلا خيرًا)) (رواه مسلم، باب كراهة تمني الموت لضر نزل به، حديث: 2682). وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمر في الإسلام لتسبيحه وتكبيره وتهليله)، رواه الإمام أحمد. إنها البركة؛ بركة الرأي والمشورة، وبركة المجالسة والمؤانسة، وبركة البر والإحسان؛ بل إن شريعتنا السمحاء قد راعت حال الكبار، ولا سيما إذا كانوا آباءنا وأمهاتنا، فإن من أعظم حقوقهم علينا الإحسان إليهم بالخدمة والرعاية وإدخال السرور عليهم، قال الله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا)، رواهُ الإمامُ أَحمدُ وغيره. وثَبتَ عَنه صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: (إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِم)، رواهُ الإمامُ أَحمدُ وأبو داود. وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته العملية صحابته الكرام ن إلى تلكم المعاني التي تميز بها الإسلام، فعن أنس بن مالك ت قال: (جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم ، فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا). رواه الإمام أحمد والترمذي. كما أن مجتمعنا الغالي يقدم أحسن الصور ولله الحمد على وجوه البر واحترام كبار السن، والمسارعة إلى لقياهم في المناسبات الدينية والاجتماعية، وإنزالهم في صدور المجالس، فهم تاج الحياة وجمالها. فمن المعالم النيرة لذلك الإجلال لذي الشيبة: أن يُقدّم في الكلام ، وأن يبدأ به عند إكرام الناس بالمأكل والمشرب، ومبادرته بالسلام والتحية، وإظهار التقدير لهم، والاعتناء بهم في جميع ما هم بحاجة إليه لتحقيق مصالحهم، إذ هم سر السعادة وبهاؤها، وبوجودهم يحل الخير وتكتسب الحكمة من تجارب الحياة وأيامها. وقد انعكس هذا الاهتمام الاجتماعي والديني البالغ بكبار السن على مملكتنا الغالية فأصبح نهجاً ومنظومة متكاملة للدولة في إبداع أفكار جديدة لإسعاد هذه الفئة المباركة، بحيث تجاوز ذلك مفهوم الرعاية الصحية، وتوفير متطلبات العيش الكريم بما يسعد هذه الفئة ويزيد في عمرها، مع توفير مراكز ودور رعاية اجتماعية وثقافية وصحية وترفيهية تقدم أرقى أنواع الخدمات والمساندات، باعتبارهم جزءاً أساسياً من المجتمع، وهذه الجودة في الحياة التي توفرها حكومة خادم الحرمين الشريفين للمسنين تضاهي الدول المتقدمة في هذا المجال. حيث قامت هذه الدولة المباركة التي جعلت من مواثيقها الأساسية تحقيق السعادة لمواطنيها، وتوفير رغد العيش لهم، بجعل هذه الفئة من كبار السن في الصدارة ، فحظوا بالتقدير والاحترام، والحب والعطف، وأمنت لهم جميع سبل الحياة الكريمة والحماية المجتمعية التي تجسدت في فعاليات تنظم لهم، ويأتي ذلك كنوع من رد الجميل، نتيجة لما بذلوه وقدموه للوطن، ونوعت لهم في الخدمات بين رعائية واجتماعية وصحية علاجية؛ بل وخدمات متنقلة للرعاية المنزلية بهدف ربط المسن بأسرتهِ، وتوطيد العلاقة مع أفرادها، ووصولاً للاستفادة من خبراتهم وتجاربهم الحياتية، لإفادة الأجيال الجديدة، وتقديم النصح والإرشاد لهم. وما ينعم به المسن اليوم من اهتمام وتقدير في المملكة العربية السعودية، ما هو إلا حصاد لهذا النهج القويم والرؤية الثاقبة والحكمة البالغة التي يتحلى بها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين حيث وضعا هذه الفئة في مقدمة اهتماماتهم وفقا لما ينص عليه شرعنا الحكيم. حيث جعلت حكومة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله دستورها كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ووضعت أنظمة تتفق أحكامها مع المقاصد الشرعية وكلياتها، ومن بين تلك الأنظمة المرعية أنظمة تحفظ حقوق المسنين وتوفر الحماية والرعاية لهم بما يكفل لهم حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وتوفير الحماية الاقتصادية للمسن من خلال أنظمة ثلاث، وهي : التقاعد، و التأمينات الاجتماعية، و الضمان الاجتماعي ، بالإضافة إلى توفير الحماية الاجتماعية المفتوحة للمسنين الأصحاء لكسر العزلة الاجتماعية ، وجعلتهم يشاركون بإيجابية واندماج متكامل مع أفراد المجتمع عبر مراكزه الاجتماعية المفتوحة. كما اهتمت الدولة بالرعاية الإيوائية الشاملة للمسن الذي لا يجد من يرعاه حيث وفرت دورا لرعاية المسنين يلجأ إليها من لا عائل له في الغالب، حيث تقوم هذه الدور بتوفير الرعاية النفسية والاجتماعية والطبية الكاملة تحت إشراف وكالة الشؤون الاجتماعية، وتكفلها بحق المواطن المسن في حال الشيخوخة فدعمت المؤسسات الخيرية وشجعت الأفراد للإسهام في أعمال البر لهذه الفئة الغالية والمباركة. علاوة على ما سبق، وفي إطار توجه سياسة المملكة الحكيمة في هذا المجال، فقد دعمت وزارة التعليم جميع القطاعات والمنظومات التربوية والتعليمية لخدمة هذه الفئة حيث لم تغفل عن تفعيل دور الطلاب والطالبات في مجال رعاية المسنين من خلال تضمين المناهج التعليمية بمختلف أطوارها الدراسية على مواد وفقرات ودروس وأنشطة تهدف إلى تربية النشء على احترام كبار السن والاستماع لهم والاستفادة من خبراتهم وتقديم كافة أشكال المساعدة لهم مع الحرص على توطيد العلاقة بهم، وذلك بأساليب ووسائل هادفة ومتنوعة عبر الإذاعات المدرسية والأنشطة اللاصفية، وإحياء اليوم العالمي لرعاية المسنين، وتخصيص يوم لاستضافة الجدات والأجداد في المدارس لتكريمهم والاستفادة من توجيهاتهم ونصائحهم ، إضافة إلى الجهود النوعية والمتميزة في دعم هذه الفئة من خلال فتح مجال التعليم لها عبر إنشاء مراكز لمحو الأمية وتعليم الكبيرات وتوفير طاقم إداري متكامل لخدمة هذه الفئة في هذا المجال. ومما سبق يتبين أن الحماية النظامية لحقوق المسنين في المملكة العربية السعودية جاءت تطبيقا سليما لمبادئ الإسلام وتعاليمه السامية في التكافل الاجتماعي الشاملة لجميع جوانبه ومجالاته.