تؤكد الإحصائيات الحديثة أن أعداد المسنين اليوم في العالم في تزايد مستمر، وأنه بحلول عام 2025م يتوقع أن تكون نسبة المسنين في المملكة حوالى 8.6% من مجموع السكان، وحينما نقرأ هذه المؤشرات نجد أن الاهتمام بدور الرعاية في المجتمع لا يتجاوز إلا عشر دور للرعاية، منها واحدة فقط للمسنات. “الرسالة” استفهمت عن الأسباب التي تؤدي إلى إيداع المسنة إلى دار الرعاية؟ وما هي البرامج التي يحتاجها المسنون؟ وهل وجود دار رعاية واحدة للمسنات مؤشر على أن مجتمع يهتم بالمسنين؟ نسيان جميل الآباء بداية يبدي عضو رابطة علماء المسلمين الدكتور عبدالعزيز بن سعود عرب تعجبه من نسيان الأبناء لجميل آبائهم فيودعونهم دور الرعاية وقال: أعجب من ابن أو ابنة بعد أن قوي عوده وشب جسده، واعتمد على نفسه أن ينسى الجميل، ويتنكر للإحسان، ويقسو على قلب يحبه، عجبًا فكم من ليلة باتت هذه الوالدة في سهر لكي ينام طفلها! وكم من ليلة جاعت كي يشبع! وكم من ليلة بكت كي يضحك! كم من ليلة مرضت فيها وسهرت وتمنت لو أن ما أصاب ابنها أصابها هي، إنها الوالدة كم ضحت بشبابها وقوتها لكي يرتقي أبناؤها، فقوتهم من قوتها، وصحتهم من صحتها ونشاطهم من نشاطها، أنتم قلبها وفؤادها تفديكم بروحها وحياتها! فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ فالله عز وجل قرن حقه بحق الوالدين، وقضى وقدر بوجوب برهما والإحسان إليهما وخص ذلك حال الكبر منهما أو من أحدهما! بل جعل عقوقهما والقسوة عليهما من العقوبات المعجلة في الدنيا قبل الآخرة، والواقع والمشاهد أكبر دليل وخير حجة. حقوق الكبار واسترسل عرب موضحًا حقوق كبار السن فقال: جاء الإسلام بحقوق الكبار عمومًا فكيف بالوالدين؟ فهذا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام يناشد الشباب بإكرام المسنين بقوله: “مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ”، بل جعل إكرام المسن من إجلال الله عز وجل فقال: “إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ”، كما رهب وحذر من الاستخفاف بالكبار وجعل ذلك علامة للنفاق فقال: “ثلاث لا يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام، وذو العلم وإمام مقسط”، وجعل صلى الله عليه وسلم من الذين لا يوقرون الكبار والمسنين عناصر شاذة في مجتمع المسلمين وتبرأ منهم! إذ ليس من المسلمين من لا يحترم كبيرهم فقال: “لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ كَبِيرَنَا” تأمل معي في هذا الموقف من الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم مع كبار السن فحينما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا ودخل المسجد الحرام، أتى أبو بكر بأبيه يقوده إلى حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ليبايع ويسلم. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه؟” قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، هو أحق أن يمشى إليك من أن تمشى أنت إليه!! فأجلسه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بين يديه، وأكرمه، ثم مسح على صدره، ثم قال: “أسلم” فأسلم، فهل بعد هذا يجرؤ ابن على إيداع أمه التي حملته وأرضعته في دار الرعاية لكبرها؟ أي قلب وأي قسوة يحملها هؤلاء! ولكن كما تدين تدان! مرفوض أخلاقيًا وبدوره يبين المستشار الأسري والنفسي الأستاذ ياسر نصار أن دواعي إيداع المسنين لدور الرعاية واهية لدى أغلب الأبناء فقال: يودع الأولاد المسنين بدور الرعاية لعدة أسباب أغلبها مرفوض أخلاقيًا مثل عدم وجود مكان كاف بالمنزل أو أن المسن يسبب مضايقات للزوجة والأولاد، أو أنه عاجز عن رعايته لعدم قدرته على القيام بواجباته مثل الأكل والنظافة الشخصية. وهناك من يبرر بضغط العمل وكثرة تحركاته والبعض يقول إنه عاجز عن مصاريفهم ولكن يبقى الوازع الديني والالتزام الأخلاقي هو الفيصل بالأمر. وأضاف نصر موضحًا البرامج التي يحتاجها المسنون في دور الرعاية فقال: البرامج كثيرة لكي تضمن لهم حياة نفسية وجسدية صحيحة وتساعدهم على تخفيف الألم ومشكلات التقدم بالعمر فمن المهم توفير برامج دينية كتحفيظ القرآن ودروس تثقيفية عما ينتظر المؤمن من خير بالجنة وكذلك لا بد من توفر برامج الدعم النفسي وزيادة الدافعية وتقبل الحياة والتحفيز وأيضا يجب توفر برامج اجتماعية وترفيهية وكذلك الاهتمام ببرامج الصحة ومتابعتها من النواحي الطبية والنواحي الرياضية لتقليل نسبة الإصابة بالأمراض النفسية والجسدية التي تنتج من الفراغ. ويشدِّد نصار على أن وجود دار رعاية واحدة للمسنات في السعودية ليس مؤشرًا لعدم الحاجة ويعتبر أن ذلك تقصيرًا في سد حاجة المسنات لدور الرعاية فقال: وجود دار رعاية واحدة للمسنات في المملكة ليس مؤشرًا على عدم الاحتياج لدور رعاية للمسنات بل هو ناتج عن تقصير وتجاهل من بعض المسؤولين عن توفيرها، فعدد النساء لدينا أكبر وكذلك معاناتهن أشد، خصوصًا عندما تكون هناك خلافات بين مسنة وزوجة ابنها وما شبه وكذلك لغياب أي مكان يمكن لمسنة أن تجد نفسها فيه عندما تضعف، فتظل حبيسة جدران ولا تجد من يتحدث إليها وكذلك لأن من طبع الأمهات عدم الحديث عن تقصير الأبناء. لو توفرت دور رعاية متكاملة سنجد أن لها قبولًا عند المجتمع وعند المسنات أنفسهم لأنها ستوفر لهم بيئة تشابه بيئة حياتهم لتقارب الأعمار، لأن من أكثر ما يعاني منه المسنون والمسنات عدم تفهم الأبناء والأحفاد لأفكارهم واحتياجاتهم، كذلك ستدعم صحتهم النفسية والاجتماعية والبدنية وتجنبهم الألم والوجع، وكذلك ستحتضن المسنات اللاتي ليس لهن ذرية فتجد نفسها في بيئة مليئة بالحب والاهتمام تطيل في عمرها وتسعد ما تبقى لها من أيام وسنين. ضعف التربية ومن جهة أخرى حصر المستشار النفسي والاجتماعي الأستاذ إبراهيم بن عبدالعزيز الأحمد أسباب إيداع الأبناء المسنات دور الرعاية بقوله: أول الأسباب وأهمها ضعف التربية على تعاليم الشريعة الإسلامية، فمن يجهل أجر بر الوالدين وبالذات الأم ليس غريبًا أن يفرط في هذا الجانب العظيم من أبواب السعادة الأبدية، ومن الأسباب الانغماس في أشغال الدنيا وأعمالها وتعقيداتها دون النظر إلى أن العناية بهذه المسنّة من الأخلاق التي من شأنها أن ترفع من مستوى أدائك في جميع أعمالك وذلك لانشراح الصدر وابتهاج النفس اللذين يزيدان عندما نزيد من الإحسان إلى من يحتاجون إلينا. ومن الأسباب التربية والصحبة فإذا نشأ الشاب في بيئة يرى فيها أبواه يحسنان إلى مسنٍّ في البيت أصبح هو كذلك، ثم إذا صاحب مجموعة كلهم يحدثونه أنهم يتلذذون بالإحسان لمسنٍّ أو مسنَّة أصبح ذلك مصدر فخر واعتزاز والعكس، بالعكس فإذا تربّى على منظر أبويه وهما يتحدثان صباح مساء عن الانزعاج من ذلك المسنّ أو تلك المسنّة فلا شك أنه سيكون مثلهما أو أسوأ. وأكد الأحمد أن المسنات في دور الرعاية يحتجن إلى من يتحدث معهن فقال: هؤلاء بحاجة إلى من يتحدث معهن ويسامرهن بما يفرح قلوبهن، وكذلك يستمع لأحاديثهن دون ضجر أو ملل وهذه وظيفة سامية ورعاية راقية هي أهم من توفير الطعام والشراب لهن. أتمنى أن نعلن قريبًا عن استغنائنا في كل بلادنا عن هذه الدار التي هي تبيّن مقدار الخلل التربوي عند النشء الجديد.