للنشيد الوطني في كل البلدان رمزية وثيقة الصلة بتحرر الشعوب، أو وحدتها ونضالاتها، أو تعبيراً عن تقاليدها، وعادة ما يكون عبارة عن مقطوعة موسيقية تولد الحماسة داخل النفوس، وتقوي الإحساس بالانتماء والفخر بالوطن. ولا يختلف ذلك الأمر عندما نتحدث عن النشيد الوطني السعودي، الذي تنضح كلماته بالحماس، وتعزز قيم الحب والانتماء للوطن الذي وحده الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- قبل نحو 88 عاماً. ولم يكن للمملكة نشيد وطني معتمد قبل عام 1984، حيث كانت تعتمد على السلام الملكي الذي وجه فاروق الأول، ملك مصر آنذاك، الملحن المصري عبدالرحمن الخطيب، بتلحينه؛ كهدية بمناسبة زيارة الملك عبدالعزيز آل سعود لمصر عام 1947م. ومنذ ذلك الوقت، وحتى عام 1984م كان تلك المقطوعة الموسيقية هي ما يُعزف في المناسبات الرسمية والمحافل الدولية كرمزية للدولة السعودية، ولكن زيارة أخرى لملكٍ سعودي آخر لمصر، غيرت ذلك، وأعلنت ميلاد النشيد الوطني الحالي، وخروجه إلى النور. قصة ميلاد النشيد الوطني زيارة رسمية أخرى لمصر، ولكن هذه المرة للملك خالد، يرحمه الله، استمع فيها للنشيد الوطني المصري أثناء استقبال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات له، فأعجب به بشدة، فما كان منه إلا أن سأل وزير الإعلام محمد عبده اليماني آنذاك: "لماذا لا يصاحب السلام الملكي نشيد وطني؟" ومن هنا بدأت قصة ميلاد النشيد الوطني السعودي. وعلى الفور، خاطب وزير الإعلام كبار الشعراء في المملكة، برغبة الملك خالد بكتابة نشيد وطني يكون متوافقاً في وزنه ولحنه مع السلام الملكي، وباقتراح من الأمير عبدالله الفيصل، وقع الاختيار على الشاعر المكي إبراهيم خفاجي، ليكون له شرف كتابة كلمات النشيد الوطني. وعلى الرغم من وفاة الملك خالد وتعطل تنفيذ الفكرة، إلا أن العمل عاد بعد انقطاع برغبة من الملك فهد -يرحمه الله- بخروج النشيد إلى النور، إلا أنه اشترط خلوّ النشيد من اسم الملك، وألا يخرج عن العادات والتقاليد. وقال الشاعر الراحل إبراهيم خفاجي، في حديثٍ تلفزيوني سابق، موثقاً لما دار وقتها، إنه مكث ستة أشهر في إعداد نص النشيد، ثم سلم النص للموسيقار السعودي سراج عمر، الذي كلف بتركيب نص النشيد، وتوزيعه على موسيقى السلام الملكي. وهو ما أكد عليه الصحافي الفني الشهير "على فقندش"؛ الذي صاحب الفنان الراحل "سراج عمر"، في تصريحٍ سابق ل"سبق"؛ بقوله: "في عهد الملك فهد في بداية الثمانينيات اختاروا سراج عمر؛ لتطويع كلام إبراهيم خفاجي؛ للسلام الملكي الذي ألفه الموسيقار المصري عبدالرحمن الخطيب، ومن حب الملك فهد؛ لهذه الخطوة كان يتابع سراج؛ وهو في القاهرة مع زكريا عامر؛ ومهتم بكل خطوات إعداد السلام الملكي، إلى أن انتهى العمل، وقُدِّم للملك". وأعجب الملك فهد بشدة بالعمل الفني، وقرر منح "خفاجي" شهادة البراءة ووسام الملك عبدالعزيز؛ تقديراً لصنيعه، وأمر بتوزيعه على سفارات المملكة بالخارج والجهات الرسمية، وأن يكون أول أيام عيد الفطر عام 1404ه، الموافق 29 يونيو 1984م هو أول أيام إذاعة النشيد. ومنذ ذلك الحين، تُعزف كلمات الشاعر المكي في المناسبات الرسمية في الداخل والخارج مخلدة ذكرى، وشاحذة للهمم، في حين تسارع البلاد للمجد والعلياء.. رافعة الخفاق أخضر.. حاملة للنور المسطر.. لتكون فخراً للمسلمين وفقا لسبق.