بقلم/محمّد موسى كمارا هو سرُّ كلّ همّةٍ عاليةٍ، ومفتاح كلّ عبقريَّةٍ فريدةٍ، وصِقال كلّ موهبةٍ نادرةٍ، ودربُ كلّ شخصيَّةٍ فائزةٍ كتبتْ أثرًا في صحيفة التَّاريخ، أو سطرتْ مجدًا في ديوان القيادة، أو تركتْ فخرًا باقيًا في سجلِّ العلم الذي ينفع النَّاس ويمكث في الأرض، وليس بحقٍّ أنَّ كلَّ الذين وصلوا لم يضلُّوا، ولكنَّ الغالبَ أنَّ جُلَّهم ضلُّوا ثمّ اهتدوا، وهُزموا ثمّ انتصروا، وزلُّوا وعثروا ثمّ نهضوا سائرين نحو الهدف المنصوب، مكافحين من أجل الغرضِ المومضِ برقُه في ظلماء الكدِّ والتَّعب. نعم، قد تضيق بك الحال، ولا تعود تُطيق الاحتمال، ويُسدل عليك اليأس حجابًا صفيقًا يحول دون الإقدام، ولكنَّ عليك، رغم ذلك كلِّه، أن تتعلَّم كيف تبدأ من جديدٍ، وكيف ترتدُّ على أثرك القديم قَصَصًا، بعدما خطفتْك عنه حوادث الحياة وخطوب الدَّهر، فسلكتَ طريقًا آخر غير ما تحلم به النّفس، ويُسرُّ به الفؤاد، ويطمئنُّ إليه القلب. وكم جاء الفَرَج في وسَط الضِّيق، وكم أتى الخير في زحام الشَّرِّ! فتوارى الألم، واختفى الهمُّ، وحلَّ النَّقيضُ محلَّ النَّقيض، حين استقامت الهمَّة بعد الانثناء، وقويَ السّاعد بعد الكلال، وتشجَّع القلب بعد الجبن والإحجام، وكانت عاقبة الورطة نجاةً وخلاصًا. إنَّ نكبة الحياة على الإنسان مثل صاروخٍ ثقيلٍ متطوِّرٍ يُرمى به الصَّرحُ الشَّامخ، فيدكُّه دكَّةً تدعُه هشيمًا تذروه الرِّياح، أو هباءً منثورًا في أرجاء الفضاء، ثمَّ تظهر صورة الرّماد الكالحة مقام الصَّورة الزَّاهرة التي كانت تسرُّ النَّاظرين، فتتناقلها الألسنة، وتتداولها الأقلام، ويصبح حديثها سائرًا بين القاصي والدّاني، ولكنَّ انهدام ذلك المبنى لا يعني أبدًا أنَّه غير قابلٍ للإعادة والتّجديد، بل إنَّ في قدرة الباني أن يجعل مكانه ما هو أحسن أثاثًا وَرِئْيًا، وكذلك شأنُ الإنسان مع تأميل نفسه التي حاقت بها الشَّدَّة، فاستبدَّ بها اليأس، وغشيها من القنوط ما غشيها، وهو كذلك مع تسديد همَّته التي تزيَّلتْ عن محلِّها الرَّفيع السّامق، وهكذا حالُه بعد كلّ حادثةٍ من حوادث الدُّنيا تجعله صريع الحزن حليف الأسى؛ فإن هو نظر وقدَّر، وعزم وحزم، وخطَّط وقرَّر، ووضع كلّ قرارٍ حسنٍ يراه موضع التّنفيذ الحكيم؛ انكشفت عنه غُمَّةُ السَّعي، وتجلَّى له الطّريق لاحبًا ليس دونه ساترٌ.