✒كثير هم البشر الذين مروا على هذه الحياة دون أثر.. ثم ارتحلوا وانتقلوا في الغابرين، لكن كان من بينهم بشر أبت الرحيل إلا بترك الأثر.. فما زالت بصماتهم بارزة ومعالمهم براقة واضحة تُعجِب الناظرين، قد ارتحلوا نعم.. لكن باقية ذكراهم الحسن بين الأحياء .. وقليلون في حياتنا أولئك الذين لهم بصمة في الحياة، ولهم تأثير ووجود، وقليلون جداً أولئك الذين يتركون إرثاً عظيماً وسمعة تبلغ الآفاق، هؤلاء العظماء لهم فضل على البشرية باخلاقهم وحسن تعاملهم، وليس للحياة معنى أو قيمة إذا ما كان الإنسان قابِعاً في غياهب السكون.. أما الإنسان الفعَّال المبادر يُدرِك قيمة صناعة الحياة، لذلك يسعى لأن يترك بصمته في حياته .. احترت كثيراً كيف ومن أين أبدأ هذه السطور.. كيف لا وأنا ارغب بالتعبير عن غيض من فيض من المشاعر لرجل كان لرحيله أثراً كبيراً في نفسي شخصياً وفي نفس أهله وذويه وأصدقائه وأحبائه وكل من عرفه عن قرب.. إنه الرجل العصامي الذي اتخذ من الوضوح عنواناً لحياته بتعامله مع الناس بالصدق الذي ينبض بكل أفعاله، إنه الرجل الطيب أبو عبدالله محمد حنشل رحمه الله، فلقد كان طيب النفس نقي الفؤاد طاهر القلب عذب السريرة صاحب الأيادي البيضاء .. عندما وصلني خبر وفاة أخي وصديقي الجميل محمد حنشل، كان يوماً عصيباً ومتعباً لنفسي لدرجة كبيرة، فقد جلست برهة من الزمن مذهولاً، هل أنا في علم أم في حلم، كم من المشاعر اجتاحتني عندما أدرت شريط الذكريات ليتوقف بي الزمن قبل عشرين عاماً ونيف عند المحطة الأولي بتعرفي على أبو عبدالله .. ماذا عساني أن أقول في سطور بسيطة تجاه إنسان عرفته عن قرب، كان كالسهل الممتنع في التعامل، نعم أحبك يا أبو عبدالله ولا أستطيع تفسير هذا الشعور إلا عندما تذكرت قول الشاعر الكبير نزار قباني: أحبك لا تفسير عندي لصبوتي أفسر ماذا ؟ والهوى لا يفسر !! ترويقة: محمد حنشل صاحب القلب الطيب والمتسامح، إنه إنسان لا يعرف الحقد ولا يعرف الكراهية ولا ينتقم ويسامح بسهولة وأسهل من السهولة فلا ينتظر السنين ليسامح ويعفو عن الاخرين، نعم، لقد رحل صاحب الأيادي البيضاء الذي كفكف دموع اليتامى، وواسى الأرامل، وأعان الفقراء، ورسم الإبتسامة على محيا المحتاجين .. *ومضة: رحم الله مصطفى صادق الرافعي حينما قال كلمته المشهورة: إن لم تزد شيئاً على الحياة، كنت أنت زائداً عليها.. لذا لكل إنسان وجود وأثر.. ووجوده لا يُغني عن أثره.. ولكن أثره يدل على قيمة وجوده ..