كان سقراط يجلس بين تلاميذه وكانوا يتبادلون الكلام فيما بينهم يأخذون ويردون على سقراط، وهو يصحح ويقيّم ويعلم، يخوضون في موضوعات شتى مختلفة ومتنوعة بعدد تشعب الآراء واختلاف طرق الدنيا من حولهم، لكن في هذه الدائرة التي يتعالى منها الكلام كأنها رحى حرب وتتطاير الأفكار بين الأستاذ والتلاميذ. جاء أحدهم وهو يتبختر في مشيته، يزهو بنفسه، وسيما بشكله، فنظر إليه سقراط مطولا، ثم قال جملته الشهيرة التي أصبحت مثلا «تكلم حتى أراك» نعم، تكلم لأراك، حتى تتضح أمامي شخصية هذا الإنسان، فالكلام يحدد أي الأشخاص أنت، أعاقل أم أحمق، أحكيم أم متهور، أصاحب رأى أم إمعة، وشخصيتك وحديثك تتضح من أسلوب الحديث، إن كنت قارئا أم جاهلا، وستفرق بين كلا الحالتين، حيث القراءة تنمي لدى الفرد القدرة المعرفية ولباقة في الحديث وتنقية الكلمات الجميلة والسلسة، كما أنها تجعل الفرد أكثر فهما لما يفكر به الآخرون، وهذه المهارة يتقنها من يقرأون، كما أنه يعرف الشخص القارئ للكتب من الشخص الذي ثقافته لا تتجاوز قنوات التواصل الاجتماعي. فالقراءة تعتبر ضرورة وليست هواية كما يقال عنها، فلو مارسها الفرد يوميا لمدة 30 دقيقة مع الوقت، ستكون من ضروريات الحياة اليومية لديه كالأكل والشرب، وطبيعي تكون البداية مملة ولكن مع الاستمرار يشعر بعدها بالمتعة، خاصة إذا بدأها بقصص وروايات وتدريجيا يقرأ ويتنوع في القراءة. القارئ أينما يجلس يكون في القمة دائما، وحديثه جذاب، ولو جعلنا هذا الأمر في أبنائنا منذ الصغر لأنتج لدينا جيلا واعيا ومثقفا لا يمكن أن ينتصر عليه أحد، والكتاب دائما معروف بأنه من الأصدقاء المقربين والأوفياء، إضافة إلى أن الكتاب يجعلك مطلعا على العالم من حولك وثقافاتهم المتنوعة وأنت بمكانك، ويوسّع آفاقك ويلهمك التغيير في حياتك. وبعد هذا كله، سأظل أردد دائما عبارة «تحدث لأراك» وسأظل أهاب الشخص حتى يتكلم، فإن تكلم سقط من عيني، أو رفع نفسه عندي.