✒نعم أنت يا أمي، درة كنت و مازلت، أقولها بصدق، و يقولها كل من أدرك قيمة الأم. أمّي التي في يديها الحبّ أجمعه ** وفي أصابعها ذِكرٌ وإجلال. وتحت أقدامها الدّنيا وما وسعت ** وتحت أقدامها الجنّات تنثال. حينما تزرع الأم في أبنائها أروع المبادئ فهي لازالت تسقيها، و إن رحلت؛ لأن ذلك الزرع ينمو مع الأيام، و يتعاهده صاحبه الذي هو أنا و أنتم؛ فذلك المبدأ قد زُرع، بحب، و حرص، واهتمام، و رعته الأم حتى استوى على سوقه، و لم يبق إلا أن يتعاهده صاحبه ذاتيًا، و أكبر دليل، أن كثيرًا من الناس يتوارثون أروع و أجمل مبادئ التربية من الوالدين؛ بل قد يستفيد المعارف و الجيران من تلك التربية فهم أيضًا قدوة. كنت مع إحدى الزميلات في سيارة نقل المعلمات للقرية وفجأة وجدتها تتحدث عن امرأة قد توفاها الله، وذكرت أن زوج أختها يدعو لتلك المرأة، ويذكر عطاءها، و إحسانها للجميع، قلت: هل تعرفين عمن تتحدثين؟؟ إنها أمي.. سكنت مع والدي أكثر من قرية وهجرة، وكانوا يسمونها( زوجة المطوع) لأن والدي كان إمام مساجدهم في تلك القرى والهجر،وخطيبًا يتنقل للدعوة.. تلك التي بذلت للصغير قبل الكبير، وللنساء والرجال على حد سواء، تخيط الملابس للنساء والرجال، وتخبز لهم، وتعمل في الزراعة مع والدي،وتقدم للجميع مالم يقدمه الرجال، كانت عونًا لوالدي في مشواره الدعوي. فلم نرها يومًا تطالب بما يطالب به كثيرًا من النساء، من الكماليات الغير مهمة. رأيت الصبر ملازمًا لأمي، و ما أروع الصبر حينما يكون عن قناعة، حينما يدرك صاحبه أنه يرجو ما عند الله، متطلعًا لقوله تعالى: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } كانت مرجعًا للجميع في كل ما يريدون. و مما يميز أمي : الحكمة، و التي قل أن نجدها في مجتمع النساء اللاتي تواجههن مواقف صعبة، لا أخفيكم أنها بعد وفاة أبي أصبحت لنا هي الأم و الأب معًا، كنت أرى القوة التي أستمد منها قوتي رغم يتمي، كانت حريصة على تعليمنا، و لا يمكن أن أتخيل امرأة تذهب من قرية لأخرى مشيًا على قدميها من أجل أحد، سوى أمي التي فعلت ذلك من أجل مستقبلي الدراسي. اللهم أسكنها الفردوس من الجنة، ووالدي. واجعل ما أصابهما رفعة في الفردوس من الجنة, و اجعلهما من الشهداء.. قد تجف بحار على الطبيعة، لكن الدمعة لا يمكن أن تجف مع ذكرى أمي، هذه هي الحقيقة، فسبحان من أودع ذلك الحب، و تلك المشاعر..! أمَّاه أمَّاه لي في كلِّ زاويةٍ من دارنا بسمةٌ تحلو بها الدارُ أشتاقُ كلَّ مكانٍ كنتُ أجلسُه مَعْكُم فيحرقني بالشوق تذكارُ أشتاقُ تسبيحَكم للهِ منسكبًا كالشهدِ يحدوه ترتيلٌ وأذكارُ محرابُكم ليلُكم تسبيحُكم لغةٌ من فيضها يهتدي للنور محتارُ علَّمْتِني أنْ أرى دنياي محتقرًا إذا أُقيمَ لها في الناس إكبارُ عَلَّمْتِني أنَّها بحرٌ نصارعه والبحرُ مهما توالَى الدهر غدَّارُ ما أروع تلك الأمنيات التي تكبر وتنمو برفقة الأم، نعم إنه مستقبل يحلم به كل أحد، و لا يحققه إلا من كان طموحه عاليًا، و برفقة أمّ مثل أمي، بعد توفيق الله تعالى. أمَّاه يا مسكَ هذا الكونِ قاطبةً يا دُرَّةً ضمَّها بالطُّهرِ محّارُ أفديكِ يا شمعةً تبكي ذوائبها فتُشْعِلُ الدَّربَ للسَّارين أنوارُ أفديكِ أمَّاه يا نبض الهوى بدمي إن كنتِ لؤلؤةً فالقلبُ محَّارُ أيها القراء : هل أذكر لكم مواقف كُرمت فيها أمي ( الأم المثالية) و كيف كان أثر ذلك عليّ في المرحلة الابتدائية و المتوسطة و الثانوية، أم أذكر لكم حرصها علينا حتى بعد الوظيفة، أم أذكر لكم كيف كان تحفيزها لنا و لغيرنا من أبناء و بنات الأقارب و المعارف في مسأل العلم و الحرص عليه، و هنا لا أنسى آخر كتاب قرأته في بداية مرضها( إنه كتاب زاد المعاد) أمي : شخصية علقت بأفعالها في أذهان الجميع، أيها الآباء و الأمهات، ليسأل كل منكم نفسه: ماذا قدمت لأبنائي؟ و ماذا سأقدم لهم من أثر ينتفعون به بعد وفاتي؟؟ أترك لكم الجواب. و أسأل الله تعالى أن يجزي أمي عني و عن إخوتي و أخواتي خير الجزاء، و أن يجمعنا بها و بوالدي في الفردوس من الجنة..