✒ ترفرف على قلوب أهل الإسلام العاملين به الألفة وحب الخير لأنفسهم والناس، تجد المسلم في أرضه ويحب كل مسلم ولو كان في أقصى بقاع الأرض لا لشيء إلا أنه مسلم، ولهذا الحب تجده يألم لألمه ويحزن لحزنه ويشاركه فرحته وأساه مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم "مَثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم ، مَثلُ الجسدِ . إذا اشتكَى منه عضوٌ ، تداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى". كما أن تلك الموده والألفة من محاسن الأخلاق التي كلما كملت وخلصت لله كانت دليل كمال ايمان وسمو في مراقي الجنان، قال صلى الله عليه وسلم؛ "أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا ، الموَطَّؤون أكنافًا ، الذين يألَفون و يُؤلَفون ، و لا خيرَ فيمن لا يألَفُ و لا يُؤلَفُ" . ولولا هذه المحبة لما استعذبت الحياة ولا وجد المرء لذة الايمان وحلاوته كما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوةَ الإيمانِ . من كان اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه ممَّا سواهُما . وأنْ يحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلَّا للهِ . وأنْ يكرهَ أنْ يعودَ في الكفرِ بعد أنْ أنقذَه اللهُ منه ، كما يكرهُ أنْ يُقذَفَ في النَّارِ". والمتأمل لهذا الحديث يدرك أهمية الحب في ديننا وأن حب الله ورسوله هو أولى الأولويات وأهم المهمات التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها بعد الايمان بالله ورسوله، يؤكد هذا ذاك الموقف الجميل من المصارحة بين الأحباء حين قال عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم "لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي" فقال له صلى الله عليه وسلم : (لا، والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك) فقال له عمر: "فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (الآن يا عمر) . وهذه المحبة إذا تمكنت من قلب العبد سهل عليه كل صعب واستعذب في سبيلها كل ألم، يقول ابن جزي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى : ﴿وَالَّذينَ آمَنوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ اعلم أن محبة الله إذا تمكنت من القلب ظهرت آثارها على الجوارح من الجدِّ في طاعته، والحرص على مرضاته، والتلذذ بمناجاته، والرضا بقضائه، والشوق إلى لقائه، والأنس بذكره، وخروج الدنيا من القلب، ومحبة كل من يحبه الله.. ولا شك أن أكمل الناس في هذه المحبة هو سيد الخلق محمد صلوات ربي وسلامه عليه، حياته قد امتلأت بالحب واحتمل في سبيل محبة الله ومرضاته أذى قريش وظلمها حتى إن الدم ليسيل من رجليه وهو يناجي الكريم الرحمن "إذا لم يكن بك سخط علي فلا أبالي" زرع في قلوب أتباعه الود وعاملهم بود وعاش مع أهله بود ولو كمل اتباعنا لهديه لعشنا منعمين مع أهلينا ورفاقنا تمتلئ حياتنا بالمودة والوئام، ولا تجد ما تجده اليوم من الفرقة والشحناء بين الأهل والإخوان والرفاق والأحباب،، وحين أعطى أصحابه الحب كان له من قلوبهم أعظم الحب ،، *حب سامٍ يقود إلى أعالي الجنان ورضا الرحمن حبٌ ترخص أمامه الأرواح والأفئدة وتذوب أمامه جميع الآلام . كان حبه لصحبه عجباً وحبهم له أعجب كيف لا وقد قال صلى الله عليه وسلملايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ). وهنا وقفات مع ذلك الحب العجيب العظيم الذي سطره أولئك الأخيار بسيرهم الجميلة ومواقفهم الشذية العاطرة بالود . ولايشك مسلم في حب أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم ومواقفه المدهشه في ذلك ومنها ماذكر في السير أنه رضوان الله عليه في الهجره دخل قبله الغار وسد جحرين بقدميه فلدغ من أحدهما وكان صلى الله عليه وسلم قد نام في حجره لكنه لم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما لك يا أبا بكر قال لدغت فداك أبي وأمي فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب ما يجده! ومن أعاجيب محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ماكان منهم في غزوة أحد فقد استبسلوا في الدفاع عنه وتسطير محبته بدمائهم الزكية فهذا طلحة يقيه ضرب النبل بيده حتى شلت وتلقى من الضربات ما أسقطه بين يديه حتى قال صلى الله عليه وسلم *اليوم أوجب طلحة * وفي ذات الغزوة تلقى النبي صلى الله عليه وسلم ضربة دخل على إثرها حلقتين من حلقات المغفر في خده صلى الله عليه وسلم انتزعت ثنيتي أبو عبيدة بن الجراح وهو ينزع حلقات المغفر من خده الشريف. ومن المواقف الجميلة مارواه جمع من المفسرين أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شديد الحب له ، قليل الصبر عنه ، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه ، يعرف في وجهه الحزن ، فقال له [ رسول الله ] : يا ثوبان ما غير لونك ؟ فقال : يا رسول الله ما بي من ضر ولا وجع ، غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك ، واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ، ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك هناك ، لأني أعرف أنك ترفع مع النبيين ، وأني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك ، وإن لم أدخل الجنة فذاك أحرى أن لا أرك أبدا . فأنزل الله تعالى قوله : (من يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين). ومن المواقف الجميلة في سير الصحابة ما رواه الإمام أحمد أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا كان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن زاهرا باديتنا ونحن حاضروه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه، وكان رجلا دميما فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال الرجل أرسلني من هذا؟ فالتفت، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من يشتري العبد؟ فقال: يا رسول الله إذا والله تجدني كاسدا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكن عند الله لست بكاسد أو قال لكن عند الله أنت غال. أما حبه صلى الله عليه وسلم لأهله فتعجز الحروف أن تصف نبله ووفاءه فقد كان يصرح بأن أحب الناس إليه عائشه رضي الله عنها حتى أنه كان مرهف الشعور لشعورها يعرف متى ترضى ومتى تغضب وإليكم ما روته هي نفسها رضي الله عنها في ذلك، في الحديث الذي رواه مسلم قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى» قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: " أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لاَ وَرَبِّ محمد وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ " قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ* ولكم أن تتأملوا جمال عباراتها ومدى حبها له منها ..! وقبلها أحب أم المؤمني خديجة رضي الله عنها رفيقة جهاد الكلمة والدعوة وأول من آمن به وضحى لأجله فحفظ لها عهدها ووفى لحبها حتى أنه يأنس بزيارة رفيقاتها ويصلهم بعد وفاتها ففي الحديث الذي أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ فَيَقُولُ: أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ. قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا»". وهكذا كما ترون من هذه الحكايا والمواقف كيف امتلأت حياته الشريفه بالود والوئام فبذل لأهله وأحبابه وأصحابه حبا كبيرا قابلوه بحب كبير ،، وكيف لايحب مثله صلوات ربي وسلامه عليه، يبقى حبه في قلوب المؤمنين على مدى الأزمان وإن لم يروه ، يفدونه بكل ما يملكون ويهتدون بهديه ويسألون الله الصلاة عليه ولقياه في الجنة مصداق ذلك مارواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : *إن من أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله . * اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك واجعل حبك وحب نبيك أحب إلينا من كل حب سواه و صل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين